للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كالملائكة والحور الْعين فَإِن كَانُوا عَالمين بِمِقْدَار مَا هم فِيهِ من نعيم وَلَذَّة فَكُنَّا نَحن كَذَلِك وَإِن كَانُوا غير عَالمين بِمِقْدَار مَا هم فِيهِ من اللَّذَّة وَالنَّعِيم فَهَلا أَعْطَاهُم هَذِه الْمصلحَة ولأي شَيْء مَنعهم هَذِه الْفَضِيلَة الَّتِي أَعْطَاهَا لنا وهم أهل طَاعَته الَّتِي لم تشب بِمَعْصِيَة فَإِن قَالُوا إِن الْمَلَائِكَة وحور الْعين قد شاهدوا عَذَاب الْكفَّار فِي النَّار فَقَامَ لَهُم مقَام التَّرْهِيب قُلْنَا لَهُم وَهل الْمُحَابَاة والجور إِلَّا أَن يعرض قوما للمعاطب ويبقيهم حَتَّى يكفروا فيخلدوا فِي النَّار ليوعظ بهم قوم آخَرُونَ خلقُوا فِي الْجنَّة والرفاهية سرمداً أبدا لَا بُد وَهل عين الظُّلم إِلَّا هَذَا فِيمَا بَيْننَا على أصُول الْمُعْتَزلَة وَكَمن يَقُول من الطغاة قتل الثُّلُث فِي صَلَاح الثُّلثَيْنِ صَلَاح وَهل فِي الشَّاهِد عَبث وسفه أعظم من عَبث من يَقُول لآخر هَات أضربك بالسياط وأردك من جبل وأصفع فِي قفاك وأنتف سبالك وأمشيك فِي طَرِيق ذَات شوك دون رَاحَة فِي ذَلِك وَلَا مَنْفَعَة وَلَكِن لأعطيك بعد ذَلِك ملكا عَظِيما ولعلك فِي خلال ضربي إياك أَن تتضرر فَتَقَع فِي بِئْر مُنْتِنَة لَا يخرج مِنْهَا أبدا فَأَي مصلحَة عِنْد ذِي عقل فِي هَذَا الْحَال لَا سِيمَا وَهُوَ قَادر على أَن يُعْطِيهِ ذَلِك الْملك دون أَن يعرضه لشَيْء من هَذَا الْبلَاء فَهَذِهِ صفة الله عز وَجل عِنْد الْمُعْتَزلَة لَا يسْتَحقُّونَ من أَن يصفوا أنفسهم بِأَن يصفوا الله تَعَالَى بِالْعَدْلِ وَالْحكمَة (قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَأما نَحن فَنَقُول لَو أَن الله تَعَالَى أخبرنَا أَنه يفعل هَذَا كُله بِعَيْنِه مَا أنكرناه ولعلمنا أَنه مِنْهُ تَعَالَى حق وَعدل وَحِكْمَة (قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَمن الْعجب أَن يكون الله تَعَالَى يخلقنا يَوْم الْقِيَامَة خلقا لَا نجوع فِيهِ أبدا وَلَا نعطش وَلَا نبول وَلَا نمرض وَلَا نموت وَينْزع مَا فِي صدورنا من غل ثمَّ لَا يقدر على أَن يخلقنا فِيهَا وَلَا على أَن يخلقنا خلقا نلتذ مَعَه بأبتدائنا فِيهَا كالتذاذنا بِدُخُولِهَا بعد طول النكد فَهَل يفرق بَين شيءمن هَذَا إِلَّا من لَا عقل لَهُ أَو مستخف بالباري تَعَالَى وبالدي وَأما قَوْلهم لَو خلقنَا الله تَعَالَى فِي الْجنَّة لَكنا غير مستحقين لذَلِك النَّعيم فَإنَّا نقُول لَهُم أخبرونا عَن الْأَعْمَال الَّتِي استحققتم بهَا الْجنَّة عِنْد أَنفسكُم أفبضرورة الْعقل علمْتُم أَن من عَملهَا فقد اسْتحق الْجنَّة دينا وَاجِبا على ربه تَعَالَى أم لم تعلمُوا ذَلِك وَلَا وَجب ذَلِك إِلَّا حَتَّى أعلمنَا الله عز وَجل أَنه يفعل وَجعل الْجنَّة جَزَاء على هَذِه الْأَعْمَال فَإِن قَالُوا بِالْعقلِ عرفنَا اسْتِحْقَاق الْجنَّة على هَذِه الْأَعْمَال كابروا وكذبوا على الْعقل وَكَفرُوا لأَنهم بِهَذَا القَوْل يوجبون الِاسْتِغْنَاء عَن الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ولزمهم أَن الله تَعَالَى لم يَجْعَل الْجنَّة جَزَاء على هَذِه الْأَعْمَال لَكِن وَجب ذَلِك عَلَيْهِ حتما لَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِأَنَّهُ لَو شَاءَ غير ذَلِك لَكَانَ لَهُ وَهَذَا كفر مُجَرّد وَأَيْضًا فَإِن شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي السبت وَتَحْرِيم الشحوم وَغير ذَلِك قد كَانَ الْجنَّة جَزَاء على الْعَمَل بهَا ثمَّ صَارَت الْآن جَهَنَّم جَزَاء على الْعَمَل بهَا فَهَل هَا هُنَا إِلَّا أَن الله تَعَالَى أَرَادَ ذَلِك فَقَط وَلَو لم يرد ذَلِك لم يجب من ذَلِك شَيْء فَإِن قَالُوا بل مَا علمنَا اسْتِحْقَاق الْجنَّة بذلك إِلَّا بِخَبَر الله تَعَالَى أَنه حكم بذلك فَقَط قيل لَهُم فقد كَانَ الله تَعَالَى قَادِرًا على أَن يخبرنا أَنه جعل الْجنَّة حَقًا لنا يخْتَر عَنَّا فِيهَا كَمَا فعل بِالْمَلَائِكَةِ وحور الْعين وَأَيْضًا فقد كذبُوا فِي دَعوَاهُم اسْتِحْقَاق الْجنَّة بأعمالهم فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من أحد ينجيه عمله أَو يدْخلهُ الْجنَّة عمله قيل لَا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمة مِنْهُ أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وَأَيْضًا فبضرورة الْعقل نَدْرِي أَن مَا زَاد على الْمُمَاثلَة فِي الْجَزَاء فِيمَا بَيْننَا فَإِنَّهُ تفضل مُجَرّد فِي الْإِحْسَان وجور فِي الْإِسَاءَة هَذَا حكم الْمَعْهُود

<<  <  ج: ص:  >  >>