للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأخْبر تَعَالَى عَن الْكفَّار فَقَالَ {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} فَأخْبر تَعَالَى أَنهم يعْرفُونَ صدقه وَلَا يكذبونه وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وهم كفار بِلَا خلاف من أحد من الْأمة وَمن أنكر كفرهم فَلَا خلاف من أحد من الْأمة فِي كفره وَخُرُوجه عَن الْإِسْلَام وَنَصّ تَعَالَى عَن إِبْلِيس أَنه عَارِف بِاللَّه تَعَالَى وبملائكته وبرسله وبالبعث وَأَنه قَالَ {رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون} وَقَالَ {لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون} وَقَالَ {خلقتني من نَار وخلقته من طين} وَكَيف لَا يكون مُصدقا بِكُل ذَلِك وَهُوَ قد شَاهد ابْتِدَاء خلق الله تَعَالَى لآدَم وخاطبه الله تَعَالَى خطابا كثيرا أَو سَأَلَهُ مَا مَنعك أَن تسْجد وَأمره بِالْخرُوجِ من الْجنَّة وَأخْبرهُ أَنه منظر إِلَى يَوْم الدّين وَأَنه مَمْنُوع من إغواء من سبقت لَهُ الْهِدَايَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك كُله كَافِر بِلَا خلاف أما بقوله عَن آدم أَنا خير مِنْهُ وَأما بامتناعه للسُّجُود لَا يشك أحد فِي ذَلِك وَلَو كَانَ الْإِيمَان هُوَ بالتصديق وَالْإِقْرَار فَقَط لَكَانَ جَمِيع المخلدين فِي النَّار مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر الْكفَّار مُؤمنين لأَنهم كلهم مصدقون بِكُل مَا كذبُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا مقرون بِكُل ذَلِك لَكَانَ إِبْلِيس وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الدُّنْيَا مُؤمنين ضَرُورَة وَهَذَا كفر مُجَرّد مِمَّن أجَازه وَإِنَّمَا كفر أهل النَّار بمنعهم من الْأَعْمَال قَالَ تَعَالَى {وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فلجأ هَؤُلَاءِ المخاذيل إِلَى أَن قَالُوا إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لم يعرفوا قطّ أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَمعنى قَول الله تَعَالَى {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} أَي أَنهم يميزون صورته ويعرفون أَن هَذَا الرجل هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي فَقَط وَأَن معنى قَوْله تَعَالَى {يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} إِنَّمَا هُوَ أَنهم يَجدونَ سواداً فِي بَيَاض لَا يَدْرُونَ مَا هُوَ وَلَا يفهمون مَعْنَاهُ وَإِن إِبْلِيس لم يقل شَيْئا مِمَّا ذكر الله عز وَجل عَنهُ انه قَالَ مجداً بل قَالَه هازلا وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَيْضا أَنه لَيْسَ على ظهر الأَرْض وَلَا كَانَ قطّ كَافِر يدْرِي أَن الله حق وَأَن فِرْعَوْن قطّ لم يتَبَيَّن لَهُ أَن مُوسَى نَبِي بِالْآيَاتِ الَّتِي عمل

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَالُوا إِذا كَانَ الْكَافِر يصدق أَن الله حق والتصديق إِيمَان فِي اللُّغَة فَهُوَ مُؤمن إِذا أوفيه إِيمَان لَيْسَ بِهِ مُؤمنا وكلا الْقَوْلَيْنِ محَال

قَالَ أَبُو مُحَمَّد هَذِه نُصُوص أَقْوَالهم الَّتِي رأيناها فِي كتبهمْ وسمعناهم مِنْهُم وَكَانَ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ لهَذَا الْكفْر الْمُجَرّد أَن قَالُوا أَن الله عز وَجل سمى كل من ذكرنَا كفَّارًا ومشركين فَدلَّ ذَلِك على أَنه علم أَن فِي قُلُوبهم كفرا وشركاً وجحداً وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَن شِئْتُم الله عز وَجل وشئتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ كفرا لكنه دَلِيل على أَن فِي قلبه كفرا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد أما قَوْلهم فِي أَخْبَار الله تَعَالَى عَن الْيَهُود أَنهم يعْرفُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَعَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنهم يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَبَاطِل بحت ومجاهرة لَا حَيَاء مَعهَا لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا ذكرُوا لما كَانَ فِي ذَلِك حجَّة لله تَعَالَى عَلَيْهِم وَأي معنى أَو أَي فَائِدَة فِي أَن يجيزوا صورته ويعرفوا انه مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب فَقَط أَو فِي أَن يَجدوا كتابا لَا يفقهُونَ مَعْنَاهُ فَكيف وَنَصّ الْآيَة نَفسهَا مكذبة لَهُم لِأَنَّهُ تَعَالَى يَقُول {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَأَن فريقاً مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ} فنص تَعَالَى أَنهم يعلمُونَ الْحق فِي نبوته وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم}

<<  <  ج: ص:  >  >>