للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضداً فَهُوَ كل مَا كَانَ من الْأَعْمَال تَطَوّعا فَإِن تَركه ضد الْعَمَل بِهِ وَلَيْسَ فسقاً وَلَا كفرا برهَان ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ من وُرُود النُّصُوص بِتَسْمِيَة الله عز وَجل أَعمال الْبر كلهَا إِيمَانًا وتسميته تَعَالَى مَا سمي كفرا وَمَا سمي فسقاً وَمَا سمي مَعْصِيّة وَمَا سمي إِبَاحَة لَا مَعْصِيّة وَلَا كفرا وَلَا إِيمَانًا وَقد قُلْنَا أَن التَّسْمِيَة لله عز وَجل لَا لأحد غَيره فَإِن قَالَ قَائِل مِنْهُم أَلَيْسَ جحد الله عز وَجل بِالْقَلْبِ فَقَط لَا بِاللِّسَانِ كفرا فَلَا بُد من نعم قَالَ فَيجب على هَذَا أَن يكون التَّصْدِيق بِاللِّسَانِ وَحده إِيمَانًا فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن هَذَا كَانَ يَصح لكم لَو كَانَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَحده أَو بِاللِّسَانِ وَحده إِيمَانًا وَقد أوضحنا آنِفا أَنه لَيْسَ شَيْء من ذَلِك على انْفِرَاده إِيمَانًا وَأَنه لَيْسَ إِيمَانًا إِلَّا مَا سَمَّاهُ الله عز وَجل إِيمَانًا وَلَيْسَ الْكفْر إِلَّا مَا سَمَّاهُ الله عز وَجل كفرا فَقَط فَإِن قَالَ قَائِل من أهل الطَّائِفَة الثَّالِثَة أَلَيْسَ جحد الله تَعَالَى بِالْقَلْبِ وباللسان هُوَ الْكفْر كُله فَكَذَلِك يجب أَن يكون الْإِقْرَار بِاللَّه تَعَالَى بِاللِّسَانِ وَالْقلب هُوَ الْإِيمَان كُله وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد لَيْسَ شَيْء مِمَّا قُلْتُمْ بل الْجحْد لشَيْء مِمَّا صَحَّ الْبُرْهَان أَنه لَا إِيمَان إِلَّا بتصديقه كفر والنطق بِشَيْء من كل مَا قَامَ الْبُرْهَان أَن النُّطْق بِهِ كفر كفر وَالْعَمَل بِشَيْء مِمَّا قَامَ الْبُرْهَان بِأَنَّهُ كفر كفر فالكفر يزِيد وَكلما زَاد فِيهِ فَهُوَ كفر وَالْكفْر ينقص وَكله مَعَ ذَلِك مَا بَقِي مِنْهُ وَمَا نقص فكله كفر وَبَعض الْكفْر أعظم وَأَشد وأشنع من بعض وَكله كفر وَقد أخبر تَعَالَى عَن بعض الْكفْر أَنه تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هداً وَقَالَ عز وَجل {هَل تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} ثمَّ قَالَ {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار} وَقَالَ تَعَالَى {ادخُلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} فَأخْبر تَعَالَى أَن قوما يُضَاعف لَهُم الْعَذَاب فَإذْ كل هَذَا قَول الله عز وَجل وَقَوله الْحق فالجزاء على قدر الْكفْر بِالنَّصِّ وَبَعض الْجَزَاء أَشد من بعض بالنصوص ضَرُورَة وَالْإِيمَان أَيْضا يتفاضل بنصوص صِحَاح وَردت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَزَاء عَلَيْهِ فِي الْجنَّة بتفاضل بِلَا خلاف فَإِن قَالَ من الطبقتين الأوليتين أَلَيْسَ من قَوْلكُم من عرف الله عز وَجل وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأقر بهما بِقَلْبِه فَقَط إِلَّا أَنه مُنكر بِلِسَانِهِ لكل ذَلِك أَو لبعضه فَإِنَّهُ كَافِر وَكَذَلِكَ من قَوْلكُم أَن من أقرّ بِاللَّه عز وَجل وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَانِهِ فَقَط إِلَّا أَنه مُنكر بِقَلْبِه لكل ذَلِك أَو لبعضه فَإِنَّهُ كَافِر

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فجوابنا نعم هَكَذَا نقُول قَالُوا فقد وَجب من قَوْلكُم إِذا كَانَ بِمَا ذكرنَا كَافِرًا أَن يكون فعله ذَلِك كفرا وَلَا بُد إِذْ لَا يكون كَافِرًا إِلَّا بِكُفْرِهِ فَيجب على قَوْلكُم أَن الْإِقْرَار بِاللَّه تَعَالَى وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقَلْبِ كفر وَلَا بُد وَيكون الْإِقْرَار بِاللَّه تَعَالَى أَيْضا وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللِّسَانِ أَيْضا كفر وَلَا بُد وَأَنْتُم تَقولُونَ أَنَّهُمَا إيما فقد وَجب على قَوْلكُم أَن يَكُونَا كفرا إِيمَانًا وفاعلهما كَافِرًا مُؤمنا مَعًا وَهَذَا كَمَا ترَوْنَ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن هَذَا شغب ضَعِيف وإلزام كَاذِب سموهُ لأننا لم نقل قطّ أَن من اعْتقد وَصدق بِقَلْبِه فَقَط وَبِاللَّهِ تَعَالَى وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنكر بِلِسَانِهِ ذَلِك أَو بعضه فَإِن اعْتِقَاده لتصديق ذَلِك كفر وَلَا أَنه كَانَ بذلك كَافِرًا وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنه كفر بترك إِقْرَاره بذلك بِلِسَانِهِ فَهَذَا هُوَ الْكفْر وَبِه صَار كَافِرًا وَبِه أَبَاحَ الله تَعَالَى دَمه أَو أَخذ الْجِزْيَة مِنْهُ بإجماعكم مَعنا وَإِجْمَاع أهل الْإِسْلَام وَكَانَ تَصْدِيقه بِقَلْبِه فَقَط بِكُل ذَلِك لَغوا محبطا كَأَنَّهُ لم يكن لَيْسَ إِيمَانًا وَلَا كفرا وَلَا طَاعَة وَلَا مَعْصِيّة قَالَ تَعَالَى {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل كجهر بَعْضكُم لبَعض أَن تحبط أَعمالكُم وَأَنْتُم لَا تشعرون}

<<  <  ج: ص:  >  >>