للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَبِالْحَدِيثِ الْمَأْثُور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ لَهُ سعد هَل لَك يَا رَسُول الله فِي فلَان فَإِنَّهُ مُؤمن فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مُسلم وَبِالْحَدِيثِ الْمَأْثُور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَتَاهُ جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُورَة فَتى غير مَعْرُوف الْعين فَسَأَلَهُ عَن الْإِسْلَام فَأَجَابَهُ بأَشْيَاء فِي جُمْلَتهَا إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وأعمال أخر مَذْكُورَة فِي ذَلِك الحَدِيث وَسَأَلَهُ عَن الْإِيمَان فَأَجَابَهُ بأَشْيَاء من جُمْلَتهَا أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَبِحَدِيث لَا يَصح من أَن الْمَرْء يخرج عَن الْإِيمَان إِلَى الْإِسْلَام وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام لفظان مُتَرَادِفَانِ على معنى وَاحِد وَاحْتَجُّوا بقول الله عز وَجل {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان إِن كُنْتُم صَادِقين}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالَّذِي نقُول بِهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَن الْإِيمَان أَصله فِي اللُّغَة التَّصْدِيق على الصّفة الَّتِي ذكرنَا قبل ثمَّ أوقعه الله عز وَجل فِي الشَّرِيعَة على جَمِيع الطَّاعَات وَاجْتنَاب الْمعاصِي إِذا قصد بِكُل ذَلِك من عمل أَو ترك وَجه الله عز وَجل وَأَن الْإِسْلَام أَصله فِي اللُّغَة التبرؤ تَقول أسلمت أَمر كَذَا إِلَى فلَان إِذا تبرأت مِنْهُ إِلَيْهِ فَسُمي الْمُسلم مُسلما لِأَنَّهُ تَبرأ من كل شَيْء إِلَى الله عز وَجل ثمَّ نقل الله تَعَالَى اسْم الْإِسْلَام أَيْضا إِلَى جَمِيع الطَّاعَات وَأَيْضًا فَإِن التبرؤ إِلَى الله من كل شَيْء هُوَ معنى التَّصْدِيق لِأَنَّهُ لَا يبرأ إِلَى الله تَعَالَى من كل شَيْء حَتَّى يصدق بِهِ فَإِذا أُرِيد بِالْإِسْلَامِ الْمَعْنى الَّذِي هُوَ خلاف الْكفْر وَخلاف الْفسق فَهُوَ وَالْإِيمَان شَيْء وَاحِد كَمَا قَالَ تَعَالَى {لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان} وَقد يكون الْإِسْلَام أَيْضا بِمَعْنى الاستسلام أَي أَنه استسلم للملة خوف الْقَتْل وَهُوَ غير مُعْتَقد لَهَا فَإِذا أُرِيد بِالْإِسْلَامِ هَذَا الْمَعْنى فَهُوَ غير الْإِيمَان وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى بقوله {لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ} وَبِهَذَا تتألف النُّصُوص الْمَذْكُورَة من الْقُرْآن وَالسّنَن وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مسلمة فَهَذَا هُوَ الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ الْإِيمَان فصح أَن الْإِسْلَام لَفْظَة مُشْتَركَة كَمَا ذكرنَا وَمن الْبُرْهَان على أَنَّهَا لَفْظَة منقولة عَن موضعهَا فِي اللُّغَة أَن الْإِسْلَام فِي اللُّغَة هُوَ التبرؤ فَأَي شَيْء تَبرأ مِنْهُ الْمَرْء فقد أسلم من ذَلِك الشَّيْء وَهُوَ مُسلم كَمَا أَن من صدق بِشَيْء فقد آمن بِهِ وَهُوَ مُؤمن بِهِ وبيقين لَا شكّ فِيهِ يدْرِي كل وَاحِد أَن كل كَافِر على وَجه الأَرْض فَإِنَّهُ مُصدق بأَشْيَاء كَثِيرَة من أُمُور دُنْيَاهُ ومتبرىء من أَشْيَاء كَثِيرَة وَلَا يخْتَلف اثْنَيْنِ من أهل الْإِسْلَام فِي أَنه لَا يحل لأحد أَن يُطلق على الْكَافِر من أجل ذَلِك أَنه مُؤمن وَلَا أَنه مُسلم فصح يَقِينا أَن لَفْظَة الْإِسْلَام وَالْإِيمَان منقولة عَن موضوعها فِي اللُّغَة إِلَى معَان محدودة مَعْرُوفَة لم تعرفها الْعَرَب قطّ حَتَّى أنزل الله عز وَجل بهَا الْوَحْي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه من أَتَى بهَا اسْتحق اسْم الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَسمي مُؤمنا مُسلما وَمن يَأْتِ بهَا لم يسم مُؤمنا وَلَا مُسلما وَإِن صدق بِكُل شَيْء غَيرهَا أَو تَبرأ من كل شَيْء حاشى مَا أوجبت الشَّرِيعَة التبرأ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْكفْر والشرك لفظتان منقولتان عَن موضوعهما فِي اللُّغَة لِأَن الْكفْر فِي اللُّغَة التغطية والشرك أَن تشرك شَيْئا مَعَ آخر فِي أَي معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>