للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلْزم من فِي أقاصي الأَرْض الْإِيمَان بِهِ وَمَعْرِفَة شرائعه فَإِن مَاتُوا فِي ذَلِك الْحَال مَاتُوا كفَّارًا إِلَى النَّار وَيبْطل هَذَا قَول الله عز وَجل {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} وَلَيْسَ فِي وسع أحد علم الْغَيْب فَإِن قَالُوا فَهَذِهِ حجَّة الطَّائِفَة القائلة أَنه لَا يلْزم أحد شَيْء من الشَّرَائِع حَتَّى تبلغه قُلْنَا لَا حجَّة لَهُم فِيهَا لِأَن كل مَا كلف النَّاس فَهُوَ فِي وسعهم وَاحْتِمَال بنيتهم إِلَّا أَنهم معذورون بمغيب ذَلِك عَنْهُم وَلم يكلفوا ذَلِك تكليفاً يُعَذبُونَ بِهِ إِن لم يفعلوه وَإِنَّمَا كلفوه تَكْلِيف من لَا يُعَذبُونَ حَتَّى يبلغهم وَمن بلغه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَهُ أمرا من الحكم مُجملا وَلم يبلغهُ نَصه فَفرض عَلَيْهِ اجْتِهَاد نَفسه فِي طلب ذَلِك الْأَمر وَإِلَّا فَهُوَ عَاص لله عز وَجل قَالَ الله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} وَأما من تَابَ عَن ذَنْب أَو كفر ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا تَابَ عَنهُ فَإِنَّهُ إِن كَانَ تَوْبَته تِلْكَ وَهُوَ مُعْتَقد للعودة فَهُوَ عابث مستهزئ مخادع لله تَعَالَى قَالَ الله تَعَالَى {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم} إِلَى قَوْله {عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون} وَأما من كَانَت تَوْبَته نصُوحًا ثَابت الْعَزِيمَة فِي أَن لَا يعود فَهِيَ تَوْبَة صَحِيحَة مَقْبُولَة بِلَا شكّ مسقطة لكل من تَابَ عَنهُ بِالنَّصِّ قَالَ عز وَجل {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن وَعمل صَالحا} فَإِن عَاد بعد ذَلِك إِلَى الذَّنب الَّذِي تَابَ مِنْهُ فَلَا يعود عَلَيْهِ ذَنْب قد عفره الله أبدا فَإِن ارْتَدَّ وَمَات كَافِرًا فقد سقط عمله وَالتَّوْبَة عمل فقد حبطت فَهَذَا يعود عَلَيْهِ مَا عمل خَاصَّة وَأما من رَاجع الْإِسْلَام وَمَات عَلَيْهِ فقد سقط عَنهُ الْكفْر وَغَيره

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَلَا تكون التَّوْبَة إِلَّا بالندم وَالِاسْتِغْفَار وَترك المعاودة والعزيمة على ذَلِك وَالْخُرُوج من مظْلمَة إِن تَابَ عَنْهَا إِلَى صَاحبهَا بتحلل أَو إنصاف وَرَأَيْت لأبي بكر أَحْمد بن عَليّ بن يفجور الْمَعْرُوف بِابْن الأخشيد وَهُوَ أحد أَرْكَان الْمُعْتَزلَة وَكَانَ أَبوهُ من أَبنَاء مُلُوك فرغانة من الأتراك وَولى أَبوهُ الثغور وَكَانَ هَذَا أَبُو بكر ابْنه يتفقه للشَّافِعِيّ فَرَأَيْت لَهُ فِي بعض كتبه بقول أَن التَّوْبَة هِيَ النَّدَم فَقَط وَإِن لم ينْو مَعَ ذَلِك ترك الْمُرَاجَعَة لتِلْك الْكَبِيرَة

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) هَذَا أشنع مَا يكون من قَول الْمُرَاجَعَة لِأَن كل مُعْتَقد لِلْإِسْلَامِ فبلا شكّ نَدْرِي أَنه نادم على كل ذَنْب يعمله عَالما بِأَنَّهُ مسيء فِيهِ مستفر مِنْهُ وَمن كَانَ بِخِلَاف هَذِه الصّفة وَكَانَ مستحسناً لما فعل غير نادم عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُسلما فَكل صَاحب كَبِيرَة فَهُوَ على قَول ابْن الأخشيد غير مؤاخذ بهَا لِأَنَّهُ تائب مِنْهَا وَهَذَا خلاف الْوَعيد فَإِن قَالَ قَائِل فَإِنَّكُم تقطعون على قبُول إِيمَان الْمُؤمن أفتقطعون على قبُول تَوْبَة التائب وَعمل الْعَامِل للخير أَن كل ذَلِك مَقْبُول وَهل تقطعون على المكثر من السَّيِّئَات أَنه فِي النَّار قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِن الْأَعْمَال لَهَا شُرُوط من تَوْفِيَة النِّيَّة حَقّهَا وتوفية الْعَمَل حَقه فَلَو أيقنا أَن الْعَمَل وَقع كَامِلا كَمَا أَمر الله

<<  <  ج: ص:  >  >>