للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأجهم بن صَفْوَان وَأَبا الْهُذيْل العلاف وقوماً من الروافض فَأَما جهم فَقَالَ أَن الْجنَّة وَالنَّار بفنيان ويفنى أهلهما وَقَالَ أَبُو الْهُذيْل أَن الْجنَّة وَالنَّار لَا يفنيان وَلَا يفنى أَهلهَا إِلَّا أَن رحكاتهم تفنى ويبقون بِمَنْزِلَة الجماد لَا يتحركون وهم فِي ذَلِك أَحيَاء متلذذون أَو معذبون وَقَالَت تِلْكَ الطَّائِفَة من الروافض أَن أهل الْجنَّة يخرجُون من الْجنَّة وَكَذَا أهل النَّار من النَّار إِلَى حَيْثُ شَاءَ الله

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) أما هَذِه الْمقَالة فَفِي غَايَة الغثاثة والتعري من شَيْء يشغب بِهِ فَكيف من إقناع أَو برهَان وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِط وَأما قَول أبي الْهُذيْل فَإِنَّهُ لَا حجَّة لَهُ إِلَّا أَنه قَالَ كلما أَحْصَاهُ الْعدَد فَهُوَ ذُو نِهَايَة وَلَا بُد والحركات ذَات عدد فَهِيَ متناهية

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَظن أَبُو الْهُذيْل لجهله بحدود الْكَلَام وطبائع الموجودات أَن مَا لم يخرج إِلَى الْفِعْل فَإِنَّهُ يَقع عَلَيْهِ الْعدَد وَهَذَا خطأ فَاحش لِأَن مَا لم يخرج إِلَى الْفِعْل فَلَيْسَ شَيْئا وَلَا يجوز أَن يَقع الْعدَد إِلَّا على شَيْء وَإِنَّمَا يَقع الْعدَد على مَا خرج إِلَى الْفِعْل من حركات أهل النَّار وَالْجنَّة مَتى مَا خرج فَهُوَ مَحْدُود متناه وَهَكَذَا أبدا وَقد أحكمنا هَذَا الْمَعْنى فِي أول هَذَا الْكتاب فِي بَاب إِيجَاب حُدُوث الْعَالم وتناهي الموجودات فأغنى عَن إِعَادَته وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَبَطل مَا موه بِهِ أَبُو الْهُذيْل وَللَّه الْحَمد ثمَّ نقُول أَن قَوْله هَذَا خلاف للْإِجْمَاع الْمُتَيَقن وَأَيْضًا فَإِن الَّذِي فر مِنْهُ فِي الحركات فَإِنَّهُ لَازم لَهُ فِي مدد سكونهم وتنعمهم وتأملهم لِأَنَّهُ مقرّ بِأَنَّهُم يبقون ساكنين متنعمين متألمين بِالْعَذَابِ وبالضرورة نَدْرِي أَن للسكون وَالنَّعِيم وَالْعَذَاب مدَدا يعد كل ذَلِك كَمَا تعد الْحَرَكَة ومددها وَلَا فرق وَأَيْضًا فَلَو كَانَ مَا قَالَه أَبُو الْهُذيْل صَحِيحا لَكَانَ أهل الْجنَّة فِي عَذَاب واصب وَفِي صفة المخدور والمفلوج وَمن أَخذه الكابوس وَمن سقى البنج وَهَذَا فِي غَايَة النكد والشقاء ونعوذ بِاللَّه من هَذَا الْحَال وَأما جهم بن صَفْوَان فَإِنَّهُ احْتج بقول الله تَعَالَى {وأحصى كل شَيْء عددا} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وَقَالَ كَمَا لَا يجوز أَن يُوجد شَيْء لم يزل غير الله تَعَالَى فَكَذَلِك لَا يجوز أَن يُوجد شَيْء لَا يزَال غير الله تَعَالَى

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) مَا نعلم لَهُ حجَّة غير هَذَا أصلا وكل هَذَا لَا حجَّة لَهُ فِيهِ أما قَوْله تَعَالَى {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} فَإِنَّمَا عَنى تَعَالَى الاستحالة من شَيْء إِلَى شَيْء وَمن حَال إِلَى حَال وَهَذَا عَام لجَمِيع الْمَخْلُوقَات دون الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ مدد النَّعيم فِي الْجنَّة وَالْعَذَاب فِي النَّار كلما فنيت مُدَّة أحدث الله عز وَجل أُخْرَى وَهَكَذَا أبدا بِلَا نِهَايَة وَلَا آخر يدل على هَذَا مَا نذكرهُ بعد أَن شَاءَ الله تَعَالَى من الدَّلَائِل على خُلُود الْجنَّة وَالنَّار وَأَهْلهَا وَأما قَوْله تَعَالَى {وأحصى كل شَيْء عددا} فَإِن اسْم الشَّيْء لَا يَقع إِلَّا على مَوْجُود والإحصاء لَا يَقع على مَا ذكرنَا لَا على مَا خرج إِلَى الْفِعْل وَوجد بعد وَإِذا لم يخرج من الْفِعْل فَهُوَ لَا شَيْء بعد وَلَا يجوز أَن يعد لَا شَيْء وكل مَا خرج إِلَى الْفِعْل من مُدَّة بَقَاء الْجنَّة وَالنَّار وأهلهما فمحصي بِلَا شكّ ثمَّ يحدث الله تَعَالَى لَهُم مدَدا آخر وَهَكَذَا أبدا بِلَا نِهَايَة وَلَا آخر وَقَالُوا هَل أحَاط الله تَعَالَى علما بِجَمِيعِ مُدَّة الْجنَّة وَالنَّار أم لَا فَإِن قُلْتُمْ لَا جهلتم الله وَإِن قُلْتُمْ نعم جعلتم مدَّتهَا محاطاً بهَا وَهَذَا هُوَ التناهي نَفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>