للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من صفرَة ورعشة وَضعف نفس وَيُشِير إِلَى إِنْسَان آخر بإشارات بهَا طبائعه فيغضب مرّة ويخجله مرّة أُخْرَى ويفزعه ثَالِثَة ويرضيه رَابِعَة وَكَذَلِكَ يحيله أَيْضا بالْكلَام إِلَى جَمِيع هَذِه الْأَحْوَال فَعلمنَا أَن الله عز وَجل جعل للجن قوى يتصلون بهَا إِلَى تغير النُّفُوس وَالْقَذْف فِيهَا بِمَا يستدعونها إِلَيْهِ نَعُوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ووسوسته وَمن شرار النَّاس وَهَذَا هُوَ جريه من ابْن آدم مجْرى الدَّم كَمَا قَالَ الشَّاعِر ... وَقد كنت أجري فِي حشاهن مرّة

كجري معِين المَاء فِي قصب الآس ...

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما الصرع فان الله عز وَجل قَالَ {الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} فَذكر عز وَجل تَأْثِير الشَّيْطَان فِي المصروع فَإِنَّمَا هُوَ بالمماسة فَلَا يجوز لأحد أَن يزِيد على ذَلِك شَيْئا وَمن زَاد على هَذَا شَيْئا فقد قَالَ مَا لَا علم لَهُ بِهِ وَهَذَا حرَام لَا يحل قَالَ عز وَجل {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَهَذِه الْأُمُور لَا يُمكن أَن يعرف الْبَتَّةَ إِلَّا بِخَبَر صَحِيح عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا خبر عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام بِغَيْر مَا ذكرنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فصح أَن الشَّيْطَان يمس الْإِنْسَان الَّذِي يُسَلِّطهُ الله عَلَيْهِ مسا كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن يثير بِهِ من طبائعه السَّوْدَاء والأبخرة المتصاعدة إِلَى الدِّمَاغ كَمَا يخبر بِهِ عَن نَفسه كل مصروع بِلَا خلاف مِنْهُم فَيحدث الله عز وَجل لَهُ الصرع والتخبط حِينَئِذٍ كَمَا نشاهده وَهَذَا هُوَ نَص الْقُرْآن وَمَا توجبه الْمُشَاهدَة وَمَا زَاد على هَذَا فخرافات من توليد العزامين والكذابين وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد وَأما قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا فَإِذا اسْتَوَت قارنها فَإِذا زَالَت فَارقهَا فَإِذا جنحت للغروب قارنها فَإِذا غربت فَارقهَا وَنهى عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَوْقَات أَو كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مِمَّا هَذَا مَعْنَاهُ بِلَا شكّ فقد قُلْنَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَقُول إِلَّا الْحق وَأَن كَلَامه كُله على ظَاهره إِلَّا أَن يَأْتِي نَص بِأَن هَذَا النَّص لَيْسَ على ظَاهره فنسمع ونطيع أَو يقوم ذَلِك برهَان من ضَرُورَة حس أَو أول عقل فنعلم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا أَرَادَ مَا قد قَامَ بِصِحَّتِهِ الْبُرْهَان وَلَا يجوز غير ذَلِك وَقد علمنَا يَقِينا أَن الشَّمْس فِي كل دقيقة طالعة من الْآفَاق مُرْتَفعَة على آخر مستوية على ثَالِث زائلة عَن رَابِع جانحة للغروب على خَامِس غرابة على سادس هَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ عِنْد كل ذِي علم بالهيئة فَإذْ ذَلِك كَذَلِك فقد صَحَّ يَقِينا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا عني بذلك أفقا مَا دون سَائِر الْآفَاق لَا يجوز غير ذَلِك إِذْ لَو أَرَادَ كل أفقي لَكَانَ الْإِخْبَار بِأَنَّهُ يفارقها كذبا وحاشا لَهُ من ذَلِك فَإذْ لَا شكّ فِي هَذَا كُله فَلَا مرية أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا عَنى بِهِ أفق الْمَدِينَة إِذْ هُوَ الْأُفق الَّذِي أخبر أَهله بِهَذَا الْخَبَر فأنبأهم بِمَا يقارن الشَّمْس فِي تِلْكَ الْأَحْوَال وَمَا يفارقها من الشَّيْطَان وَالله أعلم بذلك الْقُرْآن مَا هُوَ لَا نزيد على هَذَا إِذْ لَا بَيَان عندنَا فِيمَا بَينه

<<  <  ج: ص:  >  >>