للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُلُوكهمْ وحروبهم إِلَى أَن وصل إِلَى قتل يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام فَذكره أجمل ذكر وَعظم شَأْنه وَأَنه قتل ظلما لقَوْله الْحق وَذكر أَمر المعمودية ذكرا حسنا لم ينكرها وَلَا أبطلها ثمَّ قَالَ فِي ذكره لذَلِك الْملك هردوس بن هردوس وَقبل هَذَا الْملك من حكماء بني إِسْرَائِيل وخيارهم وعلمائهم جمَاعَة وَلم يذكر من شَأْن الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام أَكثر من هَذَا (قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ) وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا الْكَلَام لأرى إِن هَذَا الْمَذْهَب كَانَ فيهم ظَاهرا فاشياً فِي أئمتهم من حِينَئِذٍ إِلَى الْآن ثمَّ انقسم الْيَهُود جملَة على قسمَيْنِ فقسم أبطل النّسخ وَلم يجْعَلُونَ مُمكنا وَالْقسم الثَّانِي أجازوه إِلَّا أَنهم قَالُوا لم يَقع وعمدة حجَّة من أبطل النّسخ أَن قَالُوا إِن الله عز وَجل يَسْتَحِيل مِنْهُ أَن يَأْمر بِالْأَمر ثمَّ ينْهَى عَنهُ وَلَو كَانَ كَذَلِك لعاد الْحق بَاطِلا وَالطَّاعَة مَعْصِيّة وَالْبَاطِل حَقًا وَالْمَعْصِيَة طَاعَة (قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ) لَا نعلم لَهُم حجَّة غير هَذِه وَهِي من أَضْعَف مَا يكون من التمويه الَّذِي لَا يقوم على سَاق لِأَن من تدبر أَفعَال الله كلهَا وَجَمِيع أَحْكَامه وآثاره تَعَالَى فِي هَذَا الْعَالم تَيَقّن بطلَان قَوْلهم هَذَا لِأَن الله تَعَالَى يحيي ثمَّ يُمِيت ثمَّ يحيي وينقل الدولة من قوم أعزة فيذلهم إِلَى قوم أَذِلَّة فيعزهم ويمنح من شَاءَ مَا شَاءَ من الْأَخْلَاق الْحَسَنَة والقبيحة وَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون ثمَّ نقُول لَهُم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مَا تَقولُونَ فِيمَن كَانَ قبلكُمْ من الْأُمَم المقبول دُخُولهَا فِيكُم إِذا غزوكم أَلَيْسَ دِمَاؤُهُمْ لكم حَلَالا وقتلهم حَقًا وفرضاً وَطَاعَة وَلَا بُد من نعم فَنَقُول لَهُم فَإِن دخلُوا فِي شريعتكم لَيْسَ قد حرمت دِمَاؤُهُمْ وَصَارَ عنْدكُمْ قَتلهمْ حَرَامًا وباطلاً ومعصية بعد أَن كَانَ فرضا وَحقا وَطَاعَة فَلَا بُد من نعم ثمَّ إِن عدوا فِي السبت وَعمِلُوا أَلَيْسَ قد عَاد قَتلهمْ فرضا بعد أَن كَانَ حَرَامًا فَلَا بُد من نعم فَهَذَا إِقْرَار ظَاهر مِنْهُم بِبُطْلَان قَوْلهم وَإِثْبَات مِنْهُم لما أنكروه من أَن الْحق يعود بَاطِلا وَالْأَمر يعود نهيا وَأَن الطَّاعَة تعود مَعْصِيّة وَهَكَذَا القَوْل فِي جَمِيع شرائعهم لِأَنَّهَا إِنَّمَا هِيَ أوَامِر فِي وَقت مَحْدُود بِعَمَل مَحْدُود فَإِذا خرج ذَلِك الْوَقْت عَاد ذَلِك الْأَمر مَنْهِيّا عَنهُ كالعمل هُوَ عِنْدهم مُبَاح فِي الْجُمُعَة محرم يَوْم السبت ثمَّ يعود مُبَاحا يَوْم الْأَحَد وكالصيام والقرابين وَسَائِر الشَّرَائِع كلهَا وَهَذَا بِعَيْنِه هُوَ نسخ الشَّرَائِع الَّذِي أَبوهُ وامتنعوا مِنْهُ إِذْ لَيْسَ معنى النّسخ إِلَّا أَن يَأْمر الله عزز وَجل بِأَن يعْمل عمل مَا مُدَّة مَا ثمَّ ينْهَى عَنهُ بعد انْقِضَاء تِلْكَ الْمدَّة وَلَا فرق فِي شَيْء من الْعُقُول بَين أَن يعرف الله تَعَالَى ويخبر عباده بِمَا يُرِيد أَن يَأْمُرهُم بِهِ قبل أَن يَأْمُرهُم بِهِ ثمَّ بِأَنَّهُ سينهى عَنهُ بعد ذَلِك وَبَين أَن لَا يعرفهُمْ بِهِ إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ تَعَالَى شَرط أَن يعرف عباده بِمَا يُرِيد أَن يَأْمُرهُم قبل أَن يَأْتِي الْوَقْت الَّذِي يُرِيد إلزامهم فِيهِ الشَّرِيعَة وَأَيْضًا فَإِن جَمِيعهم مقرّ بِأَن شَرِيعَة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت غير شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن يَعْقُوب تزوج ليا وراحيل إبنتي لَا بَان وجمعهما مَعًا وَهَذَا حرَام فِي شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا مَعَ قَوْلهم أَن أم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت عمَّة أَبِيه أُخْت جده وَهِي يوحا نذا بنت لاوي وَهَذَا فِي شَرِيعَة مُوسَى حرَام وَلَا فرق فِي الْعُقُول بَين شَيْء أحله الله تَعَالَى ثمَّ حرمه وَبَين شَيْء حرمه الله ثمَّ أحله والمفرق بَين هذَيْن مكابر للعيان مجاهر بالقحة وَلَو قلب عله قالب كَلَامه مَا كَانَ بَينهمَا فرق وَفِي توراتهم أَن الله تَعَالَى افْترض عَلَيْهِم بِالْوَحْي إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام

<<  <  ج: ص:  >  >>