للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي في التبيان: ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدل الذهن، وأقبح من هذا النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره، فأما النظر إلى الأمرد الحسن من غير حاجة حرام سواء كان بشهوة أو بغيرها سواء أمن الفتنه أم لم يأمنها هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء وقد نص على تحريمه الإمام الشافعي - رضي الله عنه - ومن لا يحصر من العلماء رضي الله عنهم أجمعين. ودليله قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) . كأنه في معنى المرأة، بل ربما كان بعضهم أو كثير منهم أحسن من كثير من النساء، ويتمكن من أسباب الريبة فيه، ويسهل من طرق الشر في حقه مالا يتسهل في حق المرأة فكان تحريمه أولى والأقاويل في التنفير منهم أكثر من أن تحصى.

[انسلخ لحم وجهي من أجل نظرة!]

وروى عن بعض السلف أنه رأى بعض الموتى في النوم مما كان يعتقده بالخير فسأله عن حاله فقال له: انسلخ لحم وجهي لما وقفت بين يدي الله تعالى حياء منه من أجل نظرة نظرتها إلى شاب. وأما النظر بشهوة إلى كل أحد رجلاً كان أو امرأة محرمة كانت المرأة أو غيرها ألا الزوجة والمملوكة التي تملك للاستمتاع بها حتى قال أصحابنا: يحرم النظر بشهوة إلى محارمه كابنته والله أعلم.

[حكم دخول الصبيان المسجد:]

وأما حكم دخول الصبيان المسجد، قال شيخنا: قال البغدادي: قال المتولي: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذي لا يميزون المسجد لأنه لا يؤمن تلويثهم إياه. وأما تعليمهم القرآن في المسجد فإن كان ذلك على وجه يؤدي إلى انتهاك حرمته، وقلة احترامه، والتشويش على المصلي، والبصق عليه، منع وإلا فلا وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ القرآن في المسجد وهو جاث على ركبتيه.

[رأي الإمام مالك في تعليم الصبيان في المسجد:]

وسئل مالك عن تعليم الصبيان في المسجد قال: لا أرى ذلك يجوز؛ لأن المساجد لم تبنَ لذلك فعلى ذلك يمتنع الصبيان من دخول المساجد لغير حاجة كما إذا دخلوا للعب واللهو أو ارتفعت أصواتهم وامتهانتهم المسجد وما أشبه ذلك.

[فصل]

[في الآفات الداخلة على الفقراء من مخالطة الأحداث]

قال أبو الفرج رحمه الله: اعلم أن أكثر المتشبهين بالصوفية قد سدوا على أنفسهم باب النظر إلى النساء الأجانب لبعدهم عن مصاحبتهن، وامتناعهم عن مخالطتهن، واشتغلوا بالزهد عن النكاح وانتفت صحبة الأحداث لهم على وجه الإرادة وقصد الزهادة فأمالهم إبليس إليها وهم في صحبتهم على سبعة أقسام: الأول: أخبث الناس وهم ناس يتشبهون بالصوفية ويقولون بالحلول، قال أبو نصر عبد الله بن علي السراج: بلغني أن جماعة من الحلولية زعموا أن الحق اصطفى أجساماً حل فيها معاني الربوبية.

القسم الثاني: قوم يتشبهون بالصوفية في مذهبهم ويقصدون العشق.

القسم الثالث: قوم يُبيحون النظر إلى المستحسن.

وقد صنف أبو عبد الرحمن السلمى كتاباً سماه سنن الصوفية فقال في آخر الكتاب: باب في جوامع رخصهم وذكر فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه " وأنه قال: " ثلاث يُجلين البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء، والنظر إلى الوجه الحسن " وهذان الحديثان لا أصل لهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما الحديث الأول فقال فيه ابن معين: محمد بن عبد الرحمن بن المحب الذي يرويه عن نافع عن ابن عمر ليس بشيء، وقال العقيلى: لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا شيء.

وأما الحديث الثاني: فموضوع وضعه أبو البختري. فحديث وهب بن وهب حدث به عن الرشيد لما أدمن النظر إلى ابنه، ولا يختلف العلماء في أن أبا البختري وضاع كذاب وأحمد بن عمر عبد الزنجاني، ولا يختلف العلماء في أن أبا البختري أحد المجهولين، ثم قال: كان ينبغي للسلمى إذا ذكر النظر إلى المستحسن أن يقيده بالنظر إلى وجه الزوجة أو المملوكة فأما إطلاقه فحينئذ سواء. قال أبو الفرج - رحمه الله -: والفقهاء يقولون: من ثارت شهوته عند النظر إلى " الأمرد " حرم عليه أن ينظر إليه وإن كان من عادة المعلمين ثوران الشهوة عند النظر إلى الصبي فيحرم حينئذ النظر إليه، ومتى ادعى الإنسان أنه لا تثور شهوته عند النظر إلى الأمرد الحسن فهو كاذب.

<<  <   >  >>