للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[في ذكر الشبه التي تعلق بها من أجاز سماع الغناء]

احتج بعضهم بإباحة الغناء بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو بكر رضي الله عنه وعندي جاريتان من جواري الأنصار يغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث فقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا ". الجواب أن الجاريتين كانتا مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم بعاث من الشجاعة والحرب. وحين قال أبو بكر ذلك اعتذر إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إنها أيام عيد ولم ينكر على أبي بكر مقالته. قال بعض العارفين: أكثر ما يثبت الغناء عشق الصور، وصاحب الغناء بين أمرين إما أن يهتتك فيصير فاجراً، أو يظهر النسك فيكون منافقاً فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة وقلبه يغلي بالشهوات ومحبة ما يكره الله ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو. قال الضحاك رضي الله عنه: " الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب ". وقال ابن مسعود والحسن والنخعي ومجاهد في قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) الآية، وهو الغناء. زاد ابن مسعود والاستماع إليه. وقال مجاهد في قوله تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) بالغناء والمزامير. وروى أبو إسحاق بن شعبان في كتابه الزاهي بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا تجارةٌ فيهن " وزاد " ولا تعلموهن ". وفيهن نزلت (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) . وزاد غيره: " والذي بعثتي بالحق ما رفع رجل عقيرته أي: صوته فغنى إلا بعث الله تعالى عند ذلك شيطانين يدقدقان على منكبيه لا يزالان يضربان على صدره حتى يكون هو الذي يسكت ".

[فصل]

[في المعازف وبيان شكلها]

قال النووي: ويحرم استعمال آلة من شعار الشربة لأنها آلة الشرب وتدعو إليه وفيه تشبه بأهله وهو حرام، وكذلك لو تشبه جماعة بزي شُراب الخمر فرتبوا مجلساً وأحضروا آلة الشرب وأقداحه وصبوا فيه السكنجبين، ونصبوا ساقياً يدور عليهم، ويجيب بعضهم بعضاً بكلماتهم المعتادة بينهم حرام ذلك قال: كطنبور وعود وصنج ومزمار عراقي وسماعها قوله صلى الله عليه وسلم: " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والمعازف " رواه البخاري عن شيخه هشام بن عمار. كما قال في الإحياء: إنها تدعو إلى شرب الخمر والتشبيه بأهل المعاصي حرام ومن المعازف: الرباب والجنك والكمنجة فيحرم الضرب بها وهو الاستعمال الذي عناه المصنف وأول من ضرب بالعود لامك بن المتوشلخ قالوا: وهو مركب من حركات نفسانية تُذهب الغم، وتقوى الهمة وتزيد في النشاط وهذا لا وجه له؛ لأنه أكثر الملاهي طربا وأشغلها عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وأشرت إلى ذلك في المنظومة بقولي:

ونغماتُ العود للِمحْزَان ... قالوا: تزيل أثر الأحزان

فاجزم على التحريم أي جزم ... والحزم أن لا تتبعَ ابن حزم

فقد أبيحت عنده الأوتار ... والعود والطنبور والمزمار

والطنبور معروف والصنج قال الجوهري: هو صفر يضرب بعضها على بعض مختص بالعرب، وذو الأوتار بالعجم.

<<  <   >  >>