للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: بصيرة صحيحة يفرق بها بين درجات المحبوب والمكروه، فيؤثر أعلى المحبوبين على أدناهما، ويحتمل أدنى المكروهين ليخلص أعلاهما، وهذه خاصة للعقل، ولا يُعد عاقلاً من كان بضد ذلك، بل قد تكون البهائم احسن حالاً منه.

الثاني: قوة عزم وصبر وتمكين يتمكن فيها من هذا الفعل والترك، فكثيراً ما يعرفُ الرجل قدر التفاوت، ولكن يأبى له ضعف نفسه، وهمته وعزيمته على أنه لا يقع من خسته وحرصه ووضاعة نفسه وخسة همته، ومثل هذا لا ينتفع بنفسه ولا ينتفع به غيره.

" تنبيهات " الأول: ما تكرر من الآي والأحاديث والفصول في هذا الكتاب فلفائدة زائدة أو منفعة عائدة.

الثاني: أن هذا الكتاب موضوع على سبيل الموعظة والإنذار فلا اعتراض إذا انتقل الكلام من مذهب إلى مذهب آخر لأن الكلام في الموعظة لا يتوقف على مذهب المتكلم. سئل شيخنا عن بعض مجالسه يجمع فيها كلاماً من مذهبه ومذهب غيره فقال: إذا كان المتكلم يتكلم في الموعظة فلا يقتصر على مذهب واحد وإذا كان في درس فقه فلا يخرج عن مذهبه إلا لضرورة.

خاتمة في بيان التوبة وشروطها، والاستغفار وفضيلته: اللهم إنا نسألك حسن العاقبة بالخاتمة الصالحة بمنَّك وكرمك.

[فصل]

[في التوبة]

قال الله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيَّهَ المؤمنون لعلكم تفلحون) ففرض التوبة، وندب إليها وقال: (إن الله يحب التوابين) قال سيدي أبو الحجاج الأقصري: حقيقة التوبة الذهاب إلى الملك الوهاب. والدليل عليه قوله تعالى: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) والتوبة على قسمين: توبة من الله تعالى على العبد، وتوبة من العبد إلى الله تعالى؛ فتوبة من الله تعالى على العبد أن يحبب له الطاعة ويكرِّه إليه المعصية، ويوفقه للعمل بما حبب إليه قوله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) فهذه هي التوبة منه تعالى على العبد وعن هذه التوبة تنشأ توبة العبد قال تعالى: (ثم تاب عليهم ليتوبوا) أي تاب عليهم لأجل أن يتوبوا لأنه ما لم يتب الله تعالى على العبد لا يتأتى منه التوبة، ولهذا المعنى قيل: " العناية قبل الولاية، واللواحق مبنية على السوابق " وشاهد ذلك من القرآن العظيم قوله تعالى: (يؤفك عنه من أُفِك) أي ينصرف عن الإيمان بالقرآن وسماعه وفهمه من صرف عنه في القدم وقضى عليه بالشقاوة والحرمان وجرى القلم نسأل الكريم الخاتمة. ومما تعُرف توبة التائب في أربعة أشياء: الأول: يملك لسانه عن الفضول والغيبة. الثاني: أن لا يُرى في قلبه حسد ولا عداوة. الثالث: أن يفارق إخوان الشر فإنهم هم الذين يحملونه على رد هذا القصد، ويشوشون عليه صحة هذا العزم. الرابع: أن يكون مستعداً للموت، نادماً مستغفراً لما سلف من ذنوبه مجتهداً.

[بيان معنى التوبة النصوح:]

قال شيخنا: قال المشايخ: بلغنا عن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال: " الندم على الذنب ثم لا تعود فيه أبداً ". وقال ميمون بن مهران - رضي الله عنه -: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كم من تائب يَرِدُ القيامة فظُنّ أنه تائب، وليس بتائب، لأنه لم يُحْكِم أبواب التوبة. قال عبد الله بن شميط - رضي الله عنه -: ما دام قلب العبد مُصِرّاً على ذنب واحد، فعمله معلق في الهواء فإن تاب من ذلك الذنب وإلا بقي عمله معلقاً. وقد قال العلماء رضي الله عنهم: إذا تاب العبد من ذنب دون ذنب صحت التوبة من الذنب الذي تاب منه، وبقى عليه الذنوب التي لم يتب منها يعاقب عليها، حتى يتوب من الجميع.

بيان مقامات التوبة:

<<  <   >  >>