للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْإِيقَاع بزاويتهم وتغريبهم إِلَى فاس فَأَنْشد السُّلْطَان معرضًا بالفقيه الْمَذْكُور قَول أبي الطّيب المتنبي

(وَمن نكد الدُّنْيَا على الْحر أَن يرى ... عدوا لَهُ مَا من صداقته بُد)

ففهم أَبُو عبد الله المرابط إِشَارَته فَقَالَ أيد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن من سَعَادَة الْمَرْء أَن يكون خَصمه عَاقِلا فَاسْتحْسن الْحَاضِرُونَ حسن بديهته ولطف منزعه

وَمن تواضع الْمولى الرشيد رَحمَه الله مَعَ أهل الْعلم مَا حَكَاهُ صَاحب الْجَيْش من أَنه بعث إِلَى بعض عُلَمَاء عصره ليقْرَأ مَعَه بعض الْكتب فَامْتنعَ ذَلِك الْعَالم وَقَالَ كَمَا قَالَ الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ الْعلم يُؤْتى وَلَا يَأْتِي قَالَ فَكَانَ الْمولى الرشيد رَحمَه الله يتَرَدَّد لمنزل ذَلِك الْعَالم للْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَقد ذكر صَاحب نشر المثاني أَنه كَانَ يحضر مجْلِس الشَّيْخ اليوسي بالقرويين اهـ وَهَذِه لعمري منقبة فخيمة ومأثره جسيمة فرحم الله تِلْكَ الهمم الَّتِي كَانَت تعرف للْعلم حَقه وتقدر قدره قَالُوا وَكَانَ رَحمَه الله جوادا سخيا رَحل النَّاس إِلَيْهِ من الْمشرق فَمَا دونه وقصده بعض طلبة ثغر الجزائر فامتدحه ببيتين وهما

(فاض بَحر الْفُرَات فِي كل قطر ... من ندى راحتيك عذبا فراتا)

(غرق النَّاس فِيهِ وَالْتمس الْفقر ... خلاصا فَلم يجده فماتا)

فوصله بِأَلفَيْنِ وَخمسين دِينَارا

قَالَ اليفرني وشأوه رَحمَه الله فِي السخاء لَا يلْحق والحكايات عَنهُ بذلك شهيرة وَفِي أَيَّامه كثر الْعلم واعتز أَهله وَظَهَرت عَلَيْهِم أبهته وَكَانَت أَيَّامه أَيَّام سُكُون ودعة ورخاء عَظِيم حَتَّى قيل إِنَّه فِي الْيَوْم الَّذِي بُويِعَ فِيهِ بفاس كَانَ الْقَمْح فِي أول النَّهَار بِخمْس أَوَاقٍ للمد وَصَارَ فِي آخِره بِنصْف أُوقِيَّة فتيمن النَّاس بولايته وأغتبطوا بهَا وَالله تَعَالَى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>