للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أفاتكم النعماء مني ثَلَاثَة ... يَدي ولساني وَالضَّمِير المحجبا)

وَقد جبلت الْقُلُوب على حب من أحسن إِلَيْهَا وَلَا يهملهم فيتمنوا غَيره ويتطلبوا دولة أُخْرَى كَمَا قيل

(إِذا لم يكن للمرء فِي دولة امرىء ... نصيب وَلَا حَظّ تمنى زَوَالهَا)

(وَمَا ذَاك من بغض لَهَا غير أَنه ... يُرِيد سواهَا فَهُوَ يهوى انتقالها)

وليعلم سيدنَا أَن السُّلْطَان إِذا أَخذ أَمْوَال الْعَامَّة ونثرها فِي الْخَاصَّة وشيد بهَا الْمصَالح فالعامة يذعنون ويعلمون أَنه سُلْطَان وتطيب قُلُوبهم بِمَا يرَوْنَ من إِنْفَاق أَمْوَالهم فِي مصالحهم وَإِلَّا فالعكس وَأَيْضًا السُّلْطَان متعرض للسهام الراشقة من دَعْوَة المظلومين من الرّعية فَإِذا أحسن إِلَى الْخَاصَّة دعوا لَهُ بِالْخَيرِ والسلامة والبقاء فيقابل دُعَاء بِدُعَاء وَالله الْمُوفق وَأما الْأَمر الثَّانِي فقد ضَاعَ أَيْضا وَذَلِكَ أَنه لم يتأت فِي الْوَقْت إِلَّا عمَارَة الثغور وَسَيِّدنَا قد غفل عَنْهَا فقد ضعفت الْيَوْم غَايَة وَقد حضرت بِمَدِينَة تطاوين أَيَّام مَوْلَانَا الرشيد رَحمَه الله فَكَانُوا إِذا سمعُوا الصَّرِيخ تهتز الأَرْض خيلا ورماة وَقد بَلغنِي الْيَوْم أَنهم سمعُوا صريخا من جَانب الْبَحْر ذَات يَوْم فَخَرجُوا يسعون على أَرجُلهم بِأَيْدِيهِم العصي والمقاليع وَهَذَا وَهن فِي الدّين وغرر على الْمُسلمين وَإِنَّمَا جَاءَهُم الضعْف من المغارم الثَّقِيلَة وتكليفهم الحركات وَإِعْطَاء الْعدة كَسَائِر النَّاس فعلى سيدنَا أَن يتفقد السواحل كلهَا من قلعية إِلَى ماسة ويحرضهم على الْجِهَاد والحراسة بعد أَن يحسن إِلَيْهِم ويعفيهم مِمَّا يُكَلف بِهِ غَيرهم وَيتْرك لَهُم خيلهم وعدتهم ويزيدهم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فهم حماة بَيْضَة الْإِسْلَام ويتحرى فِيمَن يوليه تِلْكَ النواحي أَن يكون أَشد النَّاس رَغْبَة فِي الْجِهَاد ونجدة فِي المضايق وغيرة على الْإِسْلَام وَلَا يولي فِيهَا من همته ملْء بَطْنه والاتكاء على أريكته وَالله الْمُوفق

وَأما الْأَمر الثَّالِث فقد اخْتَلَّ أَيْضا لِأَن المشعبين للانتصاف بَين النَّاس فِي الْبلدَانِ وهم الْعمَّال وخدامهم هم المشتغلون بظُلْم النَّاس فَكيف يزِيل

<<  <  ج: ص:  >  >>