للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَّا من جربه وذاقه وَقد تقدم لنا فِي صدر هَذَا الْكتاب أَن مُلُوك بني عبد الْمُؤمن كَانُوا يحملون النَّاس على الرُّجُوع فِي الْأَحْكَام إِلَى الْكتاب وَالسّنة كل ذَلِك اعتناء بِالْعلمِ الْقَدِيم ومحافظة على أُصُوله وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم

وَكَانَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رَحمَه الله ينْهَى عَن قِرَاءَة كتب التَّوْحِيد المؤسسة على الْقَوَاعِد الكلامية المحررة على مَذْهَب الأشعرية رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ يحض النَّاس على مَذْهَب السّلف من الِاكْتِفَاء بالاعتقاد الْمَأْخُوذ من ظَاهر الْكتاب وَالسّنة بِلَا تَأْوِيل وَكَانَ يَقُول عَن نَفسه حَسْبَمَا صرح بِهِ فِي آخر كِتَابه الْمَوْضُوع فِي الْأَحَادِيث المخرجة من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَنه مالكي مذهبا حنبلي اعتقادا يَعْنِي أَنه لَا يرى الْخَوْض فِي علم الْكَلَام على طَريقَة الْمُتَأَخِّرين وَله فِي ذَلِك أَخْبَار ومجريات

قلت وَهُوَ مُصِيب أَيْضا فِي هَذَا فقد ذكر الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي كتاب الْإِحْيَاء إِن علم الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة الدَّوَاء لَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد حُدُوث الْمَرَض فَكَذَلِك علم الْكَلَام لَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد حُدُوث الْبِدْعَة فِي قطر وَقد حرر النَّاس الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي حق الْعَامَّة وَغَيرهم والمبتدئين والمنتهين والأغبياء والأذكياء بِمَا لَيْسَ هَذَا مَحل بَسطه وَكَانَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله عالي الهمة يحب الْفَخر ويركب سنامه ويخاطب مُلُوك التّرْك مُخَاطبَة الْأَكفاء ويخاطبونه مُخَاطبَة السَّادة ويمدهم بالأموال والهدايا حَتَّى علا صيته عِنْدهم وحسبوه أَكثر مِنْهُم مَالا ورجالا وَكَانَ يُعْطي عَطاء من لَا يخَاف الْفقر وَيَضَع الْأَشْيَاء موَاضعهَا وَيعرف مقادير الرِّجَال وَيُؤَدِّي حُقُوقهم ويتجاوز عَن هفواتهم ويراعي لأهل السوابق سوابقهم ويتفقد أَحْوَال خُدَّامه فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض وَلَا يغْفل عَمَّن كَانَ يعرفهُ قبل الْملك وَكَانَ من الشجعان الْمَذْكُورين فِي وقته يُبَاشر الحروب بِنَفسِهِ ويهزم الجيوش بهيبته وَكَانَ يقتني الرِّجَال

<<  <  ج: ص:  >  >>