للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونهض إِلَى الأندلس فِي مائَة ألف من الْعَرَب والموحدين واستخلف على مراكش أَخَاهُ السَّيِّد أَبَا عمرَان فاحتل بقرطبة سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ ارتحل بعْدهَا إِلَى إشبيلية ولقيه السَّيِّد أَبُو حَفْص هُنَالك منصرفا من بعض غَزَوَاته

وَلما نزل أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بإشبيلية خافه مُحَمَّد بن مردنيش وَحمل على قلبه فَمَرض وَمَات وَقيل إِن أمه سمته لِأَنَّهُ كَانَ قد أَسَاءَ إِلَى خواصه وكبراء دولته فنصحته فتهددها وخافت بطشه فَسَمتْهُ وَلما مَاتَ مُحَمَّد بن مردنيش جَاءَ أَوْلَاده وَإِخْوَته إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف بن عبد الْمُؤمن وَهُوَ بإشبيلية فَسَلمُوا إِلَيْهِ جَمِيع بِلَاد شَرق الأندلس الَّتِي كَانَت لأبيهم فَأحْسن إِلَيْهِم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَتزَوج أختهم وَأَصْبحُوا عِنْده فِي أعز منزلَة وصنع فِي وليمتها مهرجانا عَظِيما يقصر الْوَصْف عَنهُ

وَلما صفت لأمير الْمُؤمنِينَ يُوسُف الأندلس خرج من إشبيلية غازيا بِلَاد الْعَدو فَنزل على مَدِينَة لَهُ تسمى وبذة فَأَقَامَ محاصرا لَهَا شهورا إِلَى أَن اشْتَدَّ عَلَيْهِم الْحصار وعطشوا فراسلوه فِي تَسْلِيم الْمَدِينَة وَأَن يعطيهم الْأمان على نُفُوسهم فَامْتنعَ من ذَلِك فَلَمَّا اشْتَدَّ بهم الْعَطش سمع لَهُم فِي بعض اللَّيَالِي لغط عَظِيم وأصوات هائلة وَذَلِكَ أَنهم اجْتَمعُوا بأسرهم ودعوا الله تَعَالَى فَجَاءَهُمْ مطر عَظِيم مَلأ مَا كَانَ عِنْدهم من الصهاريج فارتووا وتقووا على الْمُسلمين فَانْصَرف عَنْهُم إِلَى إشبيلية بعد أَن هادنهم مُدَّة سبع سِنِين

فليعتبر الْوَاقِف على هَذِه الْقَضِيَّة وليعلم أَن هَؤُلَاءِ الْكفَّار جاحدون ينسبون إِلَى الله تَعَالَى مَا لَا يَلِيق بِهِ من التَّثْلِيث وأنواع الْكفْر وَمَعَ ذَلِك لما انْقَطع رجاؤهم وَرَجَعُوا إِلَيْهِ تَعَالَى بالاضطرار الصَّادِق رَحِمهم سُبْحَانَهُ وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ فَلَا يَنْبَغِي بعد هَذَا لِلْمُؤمنِ الموحد إِذا حصل فِي شدَّة أَن ييأس من رَحْمَة الله فَإِنَّهُ {لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} والسر فِي الِاضْطِرَار فَإِنَّهُ عِنْد أَرْبَاب البصائر هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>