للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قرى الْقُدس وَذَلِكَ أَن الْكَامِل تورط مَعَ ملك الفرنج وَخَافَ من غائلته عَجزا عَن مقاومته فأرضاه بذلك وَصَارَ يَقُول: إِنَّا لم بسمح للفرنج إِلَّا بكنائس وأدر خراب وَالْمَسْجِد على حَاله وشعار الْإِسْلَام قَائِم ووالي الْمُسلمين متحكم فِي الْأَعْمَال والضياع. فَلَمَّا اتفقَا على ذَلِك عقدت الْهُدْنَة بَينهمَا مُدَّة عشر سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَأَرْبَعين يَوْمًا أَولهَا ثامن عشري شهر ربيع الأول من هَذِه السّنة وَاعْتذر ملك الفرنج للأمير فَخر الدّين بِأَنَّهُ لَوْلَا يخَاف انكسار جاهه مَا كلف السُّلْطَان شَيْئا من ذَلِك وَأَنه مَا لَهُ غَرَض فِي الْقُدس وَلَا غَيره وَإِنَّمَا قصد حفظ ناموسه عِنْد الفرنج وَحلف الْملك الْكَامِل وَملك الفرنج على مَا تقرر وَبعث السُّلْطَان فَنُوديَ بالقدس بِخُرُوج الْمُسلمين مِنْهُ وتسليمه إِلَى الفرنج فَاشْتَدَّ الْبكاء وَعظم الصُّرَاخ والعويل وَحضر الْأَئِمَّة والمؤذنون من الْقُدس إِلَى مخيم الْكَامِل وأذنوا على بَابه فِي غير وَقت الْأَذَان فعز عَلَيْهِ ذَلِك وَأمر بِأخذ مَا كَانَ مَعَهم من الستور والقناديل الْفضة والآلات وزجرهم. وَقيل لَهُم: امضوا إِلَى حَيْثُ شِئْتُم فَعظم على أهل الْإِسْلَام هَذَا الْبلَاء وَاشْتَدَّ الْإِنْكَار على الْملك الْكَامِل وَكَثُرت الشناعات عَلَيْهِ فِي سَائِر الأقطار وَبعث الإمبراطور بعد ذَلِك يطْلب تبنين وأعمالها فسلمها الْكَامِل لَهُ فَبعث يسْتَأْذن فِي دُخُول الْقُدس فَأَجَابَهُ الْكَامِل إِلَى مَا طلبه وسير القَاضِي شمس الدّين قَاضِي نابلس فِي خدمته فَسَار مَعَه إِلَى الْمَسْجِد بالقدس وَطَاف مَعَه مَا فِيهِ من المزارات واعجب الأمبراطوار بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وبقبة الصَّخْرَة وَصعد درج الْمِنْبَر فَرَأى قسيساً بِيَدِهِ الْإِنْجِيل وَقد قصد دُخُول الْمَسْجِد الْأَقْصَى فزجره وَأنكر مَجِيئه وَأقسم لَئِن عَاد أحد من الفرنج يدْخل هُنَا بِغَيْر إِذن ليأخذن مَا فِيهِ عَيناهُ فَإِنَّمَا نَحن مماليك هُنَا السُّلْطَان الْملك الْكَامِل وعبيده وَقد نصدق علينا وَعَلَيْكُم بِهَذِهِ الْكَنَائِس على سَبِيل الْأَنْعَام مِنْهُ فَلَا يتَعَدَّى أحد مِنْكُم طوره فَانْصَرف القس وَهُوَ يرعد خوفًا مِنْهُ. ثمَّ نزل الْملك فِي دَار وَأمر شمس الدّين قَاضِي نابلس المؤذنين إِلَّا يؤذنوا تِلْكَ اللَّيْلَة فَلم يؤذنوا الْبَتَّةَ لما اصبح قَالَ الْملك للْقَاضِي: لم لم يُؤذن المؤذنون على المنابر فَقَالَ لَهُ القَاضِي: مَنعهم الْمَمْلُوك إعظاماً لمملك واحتراماً لَهُ. فَقَالَ لَهُ الإمبراطور: أَخْطَأت فِيمَا فعلت وَالله إِنَّه كَانَ أكبر غرضي فِي الْمبيت بالقدس أَن أسمع أَذَان الْمُسلمين وتسبيحهم فِي اللَّيْل. ثمَّ رَحل الإمبراطور إِلَى عكا وَكَانَ هَذَا الْملك عَالما متبحراً فِي علم الهندسة الْحساب والرياضيات وَبعث إِلَى الْملك الْكَامِل بعدة مسَائِل مشكلة فِي الهندسة الْحِكْمَة والرياضة فعرضها على الشَّيْخ علم الدّين قَيْصر الْحَنَفِيّ - الْمَعْرُوف بتعاسيف - غَيره فَكتب جوابها وَعَاد الإمبراطور من عكا إِلَى بِلَاده فِي الْبَحْر آخر جُمَادَى

<<  <  ج: ص:  >  >>