للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فتسلم السُّلْطَان الْمُعظم مملكة مصر وخلع على الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ خلعة سنية ومنطقة وسيفا فيهمَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار مصرية وأنشده الشُّعَرَاء عدَّة تهاني وَجَرت بَين يَدَيْهِ مباحثات ومناظرات فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم وَكَانَ السُّلْطَان الْمُعظم قد مهر فِي الْعُلُوم وَعرف الْخلاف وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَكَانَ جده الْملك الْكَامِل يُحِبهُ لميله إِلَى الْعلم ويلقي عَلَيْهِ من صغره الْمسَائِل المشكلة ويأمره بعرضها وامتحان الْفُقَهَاء بهَا فِي مَجْلِسه. ولازم الْمُعظم الِاشْتِغَال إِلَى أَن برع إِلَّا أَنه فِيهِ هوج وخفة مَعَ غرامه بمجالسة أهل الْعلم من الْفُقَهَاء وَالشعرَاء. ثمَّ إِنَّه رَحل من الصالحية وَنزل تلبانة ثمَّ نزل بعْدهَا منزلَة ثَالِثَة وَسَار مِنْهَا إِلَى المنصورة. وَقد تَلقاهُ الْأُمَرَاء المماليك فَنزل فِي قصر أَبِيه وجده يَوْم الْخَمِيس لتسْع بَقينَ من ذِي الْقعدَة. فَأول مَا بَدَأَ أَن أَخذ مماليك الْأَمِير فَخر الدّين بن شيخ الشُّيُوخ الصغار وَكَثِيرًا من مخلفه بِدُونِ الْقيمَة وَلم يُعْط ورثته شَيْئا وَكَانَ ذَلِك بِنَحْوِ الْخَمْسَة عشرَة ألف دِينَار. وَأخذ يسب فَخر الدّين وَيَقُول: أطلق السكر والكتان وَأنْفق المَال وَأطلق المحابيس إيش ترك لي. وَكَانَت الْميرَة ترد إِلَى الفرنج فِي مَنْزِلَتهمْ من دمياط فِي بَحر النّيل فَصنعَ الْمُسلمُونَ عدَّة مراكب وَحملُوهَا وَهِي مفصلة على الْجمال إِلَى بَحر الْمحلة وطرحوها فِيهِ وشحنوها بالمقاتلة وَكَانَت أَيَّام زِيَادَة النّيل فَلَمَّا جَاءَت مراكب الفرنج لبحر الْمحلة وَهَذِه المراكب مكمنة فِيهِ خرجت عَلَيْهَا بَغْتَة وقاتلتها وللحال قدم أسطول الْمُسلمين من جِهَة المنصورة فَأخذت مراكب الفرنج أخذا وبيلاً وَكَانَت اثْنَتَيْنِ وَخمسين مركبا وَقتل مِنْهَا وَأسر نَحْو ألف إفرنجي وغنم سَائِر مَا فِيهَا من الأزواد والأقوات وحملت الأسرى على الْجمال إِلَى الْعَسْكَر. فَانْقَطع المدد من دمياط عَن الفرنج وَوَقع الغلاء عِنْدهم وصاروا مَحْصُورين لَا يُطِيقُونَ الْمقَام وَلَا يقدرُونَ على الذّهاب واستضرى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم وطمعوا فيهم. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: أَخذ الفرنج من المراكب الَّتِي فِي بَحر الْمحلة سبع حراريق وَنَجَا من كَانَ فِيهَا من الْمُسلمين. وَفِي ثَانِي ذِي الْحجَّة تقدم أَمر السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير حسام الدّين بن أبي عَليّ بالسير إِلَى الْقَاهِرَة وَالْإِقَامَة بدار الوزارة على عَادَته فِي نِيَابَة السلطة. وَفِيه وصل إِلَى السُّلْطَان جمَاعَة من الْفُقَهَاء: مِنْهُم الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وبهاء الدّين بن الجميزي الشريف عماد الدّين وَالْقَاضِي عماد الدّين الْقَاسِم

<<  <  ج: ص:  >  >>