للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَمَّا فرغ الْعَمَل من ذَلِك نُودي فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَسَائِر الْأَعْمَال بِإِبْطَال مَا أبطل من الْجِهَات وكتبت المراسيم إِلَى النواحي بِهِ فسر النَّاس سُرُورًا كَبِيرا. وَجلسَ السُّلْطَان بالإيوان الَّذِي أنشأه لتفرقة المثالات فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرى ذِي الْحجَّة بَعْدَمَا دارت النُّقَبَاء على جَمِيع الأجناد وحضروا ورسم أَن يفرق كل يَوْم على أميرين من المقدمين بمضافيهما. فَكَانَ الْمُقدم يقف بمضافيه ويستدعي السُّلْطَان المقدمين كل أحد باسمه فَإِذا تقدم الْمَطْلُوب سَأَلَهُ السُّلْطَان: من أَيْن أَنْت ومملوك من حَتَّى لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من أمره ثمَّ يُعْطه مِثَالا على مَا قسم لَهُ من غير تَأمل وأنبأ السُّلْطَان فِي الْعرض عَن معرفَة تَامَّة بأحوال الأجناد وأمراء الْجَيْش. وَكَانَ الْأُمَرَاء عِنْد الْعرض قد جلس أكابرهم بخدمته على الْعَادة وَإِذا أخذُوا فِي شكر جندي عاكسهم وَأَعْطَاهُ دون مَا كَانَ فِي أملهم لَهُ وَأَرَادَ بذلك أَلا يتَكَلَّم أحد فِي الْمجْلس. فَلَمَّا فطنوا لذَلِك أَمْسكُوا عَن الْكَلَام وَالشُّكْر بِحَيْثُ لم يتَكَلَّم أحد بعْدهَا إِلَّا جَوَابا لَهُ عَمَّا يسْأَل السُّلْطَان عَنهُ مِنْهُم. وَفعل فِي عرض المماليك مثل عرض الأجناد فَكَانَ الْمَمْلُوك إِذا تقدم إِلَيْهِ سَأَلَهُ عَن اسْم تاجره وَعَن أَصله وفرعه وَكم حضر من مصَاف وَكم رأى بيكاراً وَأي قِطْعَة حاصر فَإِن أَجَابَهُ بِصدق أنصفه. وَكَانَ السُّلْطَان يُخَيّر الشَّيْخ المسن بَين الإقطاع والرواتب فيعطيه مَا يخْتَار وَلم يقطع فِي الْعرض الْعَاجِز عَن الْحَرَكَة بل كَانَ يرتب لَهُ مَا يقوم بِهِ عوضا عَن إقطاعه. وَاتفقَ لَهُ فِي الْعرض أَشْيَاء: مِنْهَا أَنه تقدم إِلَيْهِ شَاب تَامّ الْخلقَة فِي وَجهه أثر شبه ضَرْبَة سيف فأعجبه وناوله مِثَالا بإقطاع جيد وَقَالَ لَهُ: فِي أَي مصف وَقع فِي وَجهك هَذَا السَّيْف. فَقَالَ لقلَّة سعادته: يَا خوند هَذَا مَا هُوَ أثر سيف وَإِنَّمَا وَقعت من سلم. فَصَارَ فِي وَجْهي هَذَا الْأَثر فَتَبَسَّمَ وَتَركه. فَقَالَ الْفَخر نَاظر الْجَيْش: يَا خوند مَا بَقِي يصلح لَهُ هَذَا الْخبز {. فَقَالَ السُّلْطَان لَا} قد صدقني وَقَالَ الْحق وَأخذ رزقه فَلَو قَالَ أصبت فِي المصف الْفُلَانِيّ من الَّذِي يكذبهُ فدعَتْ الْأُمَرَاء لَهُ وَانْصَرف الشَّاب بالمثال. وَتقدم إِلَيْهِ رجل ذميم الشكل وَله إقطاع ثقيل عِبْرَة ثَمَانمِائَة دِينَار. فَأعْطَاهُ مِثَالا وَانْصَرف. فَإِذا بِهِ عِبْرَة نصف مَا كَانَ مَعَه. فَعَاد وَقبل الأَرْض. فَسَأَلَهُ السُّلْطَان عَن حَاجته. فَقَالَ: الله يحفظ السُّلْطَان! فَإِنَّهُ غلط فِي حَقي فَإِن إقطاعي كَانَت عبرته ثَمَانمِائَة دِينَار وَهَذَا أَرْبَعمِائَة. فَقَالَ السُّلْطَان: بل الْغَلَط كَانَ فِي إقطاعك الأول فَمضى بِمَا قسم لَهُ. فَلَمَّا انْتَهَت تَفْرِقَة المثالات فِي آخر الْمحرم سنة سِتّ عشرَة توفر مِنْهَا نَحْو مِائَتي مِثَال.

<<  <  ج: ص:  >  >>