للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وَسَار الْملك الظَّاهِر فِي موكب السلطنة، إِلَى أَن طلع] من بَاب الْقصر.

وَدخل إِلَى الْقصر وَجلسَ على تخت الْملك، وَقبلت الْأُمَرَاء الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَنُودِيَ باسمه وسلطنته بشوارع الْقَاهِرَة. وسر النَّاس بسلطنته سُرُورًا زَائِدا تشارك فِيهِ الْخَاص وَالْعَام، حَتَّى قَالَ بَعضهم: ((نعد ذَلِك من نوع الْفرج بعد الشدَّة)) ؛ وَمَا ذَلِك إِلَّا لزوَال يلباى عَنْهُم، وسلطنة هَذَا الرجل الَّذِي اجْتمعت النَّاس على عقله، ومعرفته، وفضله، وَعلمه، وَدينه، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من المحاسن [كلهَا] ، وَالْجمع بيني فنون الْعلم والفروسية والذكاء والفصاحة وَحسن اللَّفْظ فِي الْخطاب، والتؤدة فِي الْكَلَام، وَالْأَدب الزَّائِد، وطلاقة الْوَجْه، وَحسن الشكل.

وَبِالْجُمْلَةِ؛ إِنَّه لم يل سلطنة مصر قَدِيما وَلَا حَدِيثا من يُشبههُ، وَلَا يُقَارِبه، وَلَا يدانيه. وَمَا أَقُول ذَلِك فِي الْأَفْضَلِيَّة وَلَا فِي الصّلاح، وَإِنَّمَا أَقُول فِي الْمعرفَة والحذق وَالْجمع لفنون السِّيَادَة [وأنواع الْكَمَال] ؛ لِأَن من محاسنه أَنه: يعْمل الْقوس بِيَدِهِ ويصنعه فِي أحسن عمل، وَكَذَلِكَ النشاب، ثمَّ يَرْمِي بهما رميا. إنتهت إِلَيْهِ فِيهِ الرِّئَاسَة على جَمِيع أهل زَمَانه، وَقس على هَذَا -[وَقد ذكرنَا من أَحْوَاله نبذة كَبِيرَة فِي تاريخنا ((النُّجُوم الزاهرة فِي ذكر مُلُوك مصر والقاهرة)) ؛ إِذْ هُوَ مَحل الاطناب فِي ذكر مُلُوك مصر، وَذَكَرْنَاهُ أَيْضا فِي تاريخنا الْحَوَادِث]-، وَلكنه مَعَ هَذِه المحاسن لم يصف لَهُ الدَّهْر وَلَا لقى معينا لرفع يَد خير بك [عَنهُ وَلَا] الأجلاب.

ولازال يدافع عَن نَفسه بِمَا هُوَ الأخف وبالإحسان، إِلَى أَن وثب عَلَيْهِ خير بك [الْمَذْكُور] فِي لَيْلَة الأثنين سادس رَجَب، وَقبض عَلَيْهِ، وحبسه بالقلعة.

وَسمع الأتابك قايتباى بذلك؛ فَركب فِي اللَّيْل، وَقَامَ بنصرته، إِلَى أَن انتصر على خير بك. فَلَمَّا رأى خير بك أمره تلاشى أطلق [الْملك] الظَّاهِر تمربغا، واستجار بِهِ؛ فأجاره الْملك الظَّاهِر.

<<  <  ج: ص:  >  >>