للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهادر على حريمه ونفائس خزائنه فَأمر الْمَذْكُور على الْحَرِيم والخزائن وأرسله بهَا إِلَى مَكَّة المشرفة فَمَكثَ بهَا أَكثر من عشر سِنِين مشتغلا بالعبادات وأنواع الطَّاعَات حَتَّى حُكيَ أَنه أَقَامَ بِمَكَّة تِلْكَ الْمدَّة لَا يعرف انه ترك الْجَمَاعَة فِيهَا مَعَ الإِمَام بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي فرض وَاحِد من غير مرض وَنَحْوه وَكَانَ محبا لأهل الْعلم محسنا إِلَيْهِم مؤلفا لأهل الْفضل مشفقاً عَلَيْهِم حَتَّى نفق الْعلم فِي زَمَنه بِمَكَّة نفَاقًا عَظِيما وأجتهد أَهله فِيهِ اجْتِهَادًا بَالغا وثاب الطّلبَة وعكفوا عكزفا باهراُ عَلَيْهِ وَبَحَثُوا عَن الدقائق لينفقوها فِي حَضرته وتحفظوا الاشكالات ليتقربوا بهَا إِلَى خواطره كل ذَلِك لإسباغه على المنتسبين إِلَى الْعلم من صنوف الْإِحْسَان وواسع الامتنان وهوامع الْأَنْغَام وواسع الاكرام مَا لم يسمع بِمثلِهِ عَن أهل زَمَنه وَمن قبله بِمدَّة مديدة حَتَّى قَالَ بعض الْعلمَاء قد أذكرنا ذَلِك مَا يحْكى عَن الْخُلَفَاء والبرامكة وَأَبَان لنا حَقِيقَة مَا فِي التواريخ عَنْهُم حَتَّى قيل أَنه أنْفق بِمَكَّة فِي نَحْو سنة مائَة وَخمسين صندوقا ذهبيا حَتَّى أبلبس أهل مَكَّة نِسَاءَهُمْ وخدمهم حلي الذَّهَب لذِي لم يعهدوا مثله وتوسعوا فِي الملابس والمعاش بِمَا لم يعرفوه قبل ذَلِك فجزاه الله خير الْجَزَاء وأمله وأتمه وأشمله وأفضله بمنه وَكَرمه وَلما بلغ أهل مَكَّة خبر مصابه حزنوا جدا لما كَانَ ينالهم من الْإِحْسَان بِسَبَبِهِ ورثاه الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الْعَزِيز الزمزمي الْمَكِّيّ بِهَذِهِ القصيدة الْعَظِيمَة وَهِي ... أَي الْقُلُوب لهَذَا الْحَادِث الجلل ... اطواده الشم لم تنسف وَلم تزل

وَأي نازلة فِي الْهِنْد قد نزلت ... بلفحها كل حبر فِي الْحجاز صلي

اعظم بنازلة فِي الْكَوْن طَار بهَا ... برا وبحراً مسير السفن وَالْإِبِل

أَخْبَارهَا طرقت سَمْعِي فَحَمَلَنِي ... طروقها عب رزء غير مُحْتَمل

أَهْدَت لأهل الْحجاز الْبَأْس بعد رجا ... واليأس بعد الرجا كالظل بالأسل

فَأصْبح النَّاس فِي وهج وَفِي فكر ... كَثِيرَة ومزاج غير معتدل

خطب على كل مَعْرُوف ومكرمة ... ونعمة قلدت جيد الزَّمَان حلى

أَصمّ أذنى بِهِ الناعي واسمعني ... أمرا بِهِ صرت مثل الشَّارِب الثمل

وَهُوَ البشير بضد الْأَمر رُبمَا ... أصبب من هول هَذَا الْخطب بالخطل

<<  <   >  >>