للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ركن الدّين ابْن القوبع رَحمَه الله تَعَالَى فِي دكان الشُّهُود الَّذِي فِي بَاب الصالحية وَيذكر صَلَاح الدّين شَيْئا من كَلَام الرئيس إِمَّا من الأشارات أَو غَيرهَا ويشرح ذَلِك شرحا غير مُطَابق لكَلَام الرئيس فَمَا يصبر لَهُ الشَّيْخ ركن الدّين وَيَقُول سُبْحَانَ الله من يكون ذهنه هَذَا الذِّهْن يشْتَغل فلسفة هَذَا الْكَلَام مَعْنَاهُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ فِي وَاد وَأَنت فِي وَاد وَهَذَا الَّذِي يفهم من كَلَام الشَّيْخ وَهُوَ المطابق للقواعد عِنْد الْقَوْم فَيَعُود صَلَاح الدّين فِي خجل كثير بَين الْجُلُوس وَأَظنهُ فَارق الزَّوْجَة الَّتِي تزَوجهَا من بَيت ابْن المغربي قبل وَفَاته وَلما مرض النايب ارغون بحلب أول مرّة طلبه من السُّلْطَان فَحَضَرَ إِلَيْهِ وعالجه بحلب ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ أَنه لما مرض الثَّانِيَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا طلبه فوصل إِلَى أَرْبَد وبلغته وَفَاته فَعَاد وَتُوفِّي صَلَاح الدّين بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة ثلث وَأَرْبَعين وَسبع ماية

٣ - (ابْن الْأَكْفَانِيِّ الْحَكِيم شمس الدّين مُحَمَّد بن ابرهيم بن ساعد شمس الدّين أَبُو عبد الله)

الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الاكفاني السنجاري المولد وَالْأَصْل الْمصْرِيّ الدَّار فَاضل جمع اشتات الْعُلُوم وبرع فِي عُلُوم الْحِكْمَة خُصُوصا الرياضي فَإِنَّهُ أَمَام فِي الْهَيْئَة والهندسة والحساب لَهُ فِي ذَلِك تصانيف وأوضاع مفيدة قَرَأت عَلَيْهِ قِطْعَة جَيِّدَة من كتاب اقليدس فَكَانَ يحل لي فِيهِ مَا اقرأه عَلَيْهِ بِلَا كلفة كَأَنَّمَا هُوَ ممثل بَين عَيْنَيْهِ فَإِذا ابتدأت فِي الشكل شرع هُوَ فيسرد بَاقِي الْكَلَام سردا وَأخذ الْميل وَوضع الشكل وحروفه فِي الرمل على التخت وَعبر عَنهُ بِعِبَارَة جزلة فصيحة بَيِّنَة وَاضِحَة كَأَنَّهُ مَا يعرف شَيْئا غير ذَلِك الشكل وقرأت عَلَيْهِ مُقَدّمَة فِي وضع الْآفَاق فشرحها لي أحسن شرح وقرأت عَلَيْهِ أول الأشارات فَكَانَ يحل شرح نصير الدّين الطوسي بِأَجل عبارَة وَأجلى أشارة وَمَا سَأَلته عَن شَيْء فِي وَقت من الْأَوْقَات عَمَّا يتَعَلَّق بالحكمة من الْمنطق والطبيعي والرياضي والألهي إِلَّا وَأجَاب بِأَحْسَن جَوَاب كَأَنَّمَا كَانَ البارحة يطالع تِلْكَ الْمَسْأَلَة طول اللَّيْل وَأما الطِّبّ فَإِنَّهُ كَانَ أَمَام عصره وغالب طبه بخواص)

ومفرادت يَأْتِي بهَا إِلَى الْمَرِيض وَمَا يعرفهَا أحد لِأَنَّهُ يُغير كيفيها وَصورتهَا حَتَّى لَا تعلم وَله أصابات غَرِيبَة فِي علاجه وَأما الْأَدَب فَإِنَّهُ فريد فِيهِ يفهم نكته وَيَذُوق غوامضه ويستحضر من الْأَخْبَار والوقايع والوفيات للنَّاس قاطبة جملَة كَبِيرَة ويحفظ من الشّعْر شَيْئا كثيرا إِلَى الْغَايَة من شعر الْعَرَب والمولدين والمحدثين والمتأخرين وَله فِي الْأَدَب تصاني وَيعرف الْعرُوض والبديع جيدا وَمَا رَأَيْت مثل ذهنه يتوقد ذكاء بِسُرْعَة مَا لَهَا روية وَمَا رَأَيْت فِيمَن رَأَيْت أصح ذهنا مِنْهُ وَلَا أذكى وَأما عِبَارَته الفصيحة الموجزة الخالية من الفضول فَمَا رَأَيْت مثلهَا كَانَ الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس يَقُول مَا رَأَيْت من يعبر عَمَّا فِي ضَمِيره بِعِبَارَة موجزة مثله انْتهى وَلم أر امتع مِنْهُ وَلَا أفكه من محاضرته وَلَا أَكثر أطلاعاً مِنْهُ على أَحْوَال النَّاس وتراجمهم ووقايعهم مِمَّن تقدم وَمِمَّنْ عاصره وَأما أَحْوَال الشرق ومتجددات التتار فِي بِلَادهمْ فِي أَوْقَاتهَا فَكَأَنَّمَا كَانَت القصاد تجىء إِلَيْهِ والملطفات تتلى عَلَيْهِ بِحَيْثُ أنني كنت

<<  <  ج: ص:  >  >>