للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَا يجد غَيره وَكَانَ مواظباً على الْعلم أَشد الْمُوَاظبَة أَيَّام هَذِه الشدَّة الْمَذْكُورَة وَكَانَ أَبوهُ من أهل الثروة وَالْمَال لكنه حبس وأوذي فِي الله تَعَالَى من قبل الأتراك لموالاته أهل الْبَيْت ثمَّ رَحل القَاضِي إِلَى صنعاء وَأقَام بهَا ودرس ورحل إِلَى شيخ الزيدية إِمَام الْفُرُوع وَالْأُصُول إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود الْحِمْيَرِي إِلَى الظهرين وَكَانَ إِذْ ذَاك بَقِيَّة الْعلمَاء وَله بالتذكرة خُصُوصا فرط الْفِقْه فَطلب القَاضِي عَامر أَن يقرئه فِيهَا فَأَجَابَهُ وَلم يستعد لتدريسه لظَنّه أَنه من عَامَّة الطّلبَة فَلَمَّا اجْتمعَا للْقِرَاءَة رأى فِي القَاضِي عَامر حضارة وحافظية وَمَعْرِفَة كَامِلَة فَقَالَ لَهُ يَا وَلَدي لست بصاحبك الْيَوْم فاترك الْقِرَاءَة فَتَركهَا ثمَّ استعد لَهَا فاستخرج ببحثه من جَوَاهِر علم القَاضِي نفائس وذخائر وعلق بِهِ ثمَّ إِنَّه عاوده بالرحلة إِلَيْهِ للزيارة فَأكْرمه الْفَقِيه صارم الدّين وَأمر النَّاس بإكرامه ورحل إِلَيْهِ من صنعاء لمسئلة وَاحِدَة أشكلت عَلَيْهِ غَابَتْ عني مَعَ معرفتي لَهَا لَوْلَا طول الْعَهْد رُوِيَ أَنَّهَا أشكلت عَلَيْهِ فَلم يبت إِلَّا فِي الطَّرِيق قَاصِدا إِلَى حجه ورحل القَاضِي إِلَى صعدة فَقَرَأَ الحَدِيث على شَيْخه الْوَجِيه عبد الْعَزِيز الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف ببهران وَلَقي الإِمَام الْحسن وَصَحبه وَمَا زَالَ حلفا للصالحات مواظباً على الْخيرَات وَلما دَعَا الإِمَام الْقَاسِم الْمَنْصُور بِاللَّه وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِصَنْعَاء فَخرج إِلَيْهِ وَصَحبه وَقَرَأَ عَلَيْهِ الإِمَام كتاب الشِّفَاء ثمَّ ولي الْقَضَاء بِولَايَة يعز نظيرها فَإِنَّهُ كَانَ من الْحلم والأناة وَالْوَفَاء بِمحل لَا يلْحق وَكَانَ وحيداً فِي الْعلم وصادقاً فِي كل عَزِيمَة قولية أَو فعلية فزاده الله تَعَالَى الْجَلالَة والمهابة فِي المصدور إِذا برز فِي الْجَامِع خضع النَّاس شاخصين إِلَيْهِ مَعَ كَمَال صورته وَطول قامته وَكَانَ لذَلِك الْجلَال الرحماني لَا يحْتَاج للأعوان بل يبرز للْقَضَاء وَإِذا أَرَادَ حبس أحد من أجلاء الرِّجَال وأعيان الدولة الْتفت إِلَى أقرب النَّاس إِلَيْهِ كَائِنا من كَانَ فَأمره بِالْمَسِيرِ بِهِ إِلَى الْحَبْس فَلَا يَسْتَطِيع أحد الِامْتِنَاع عَن أمره وَهُوَ الَّذِي قوى أعضاد الدولة المؤيدية وَكَانَ الصَّدْر يَوْمئِذٍ غير مدافع وَاسْتقر بِحَضْرَة الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُدَّة ثمَّ نَهَضَ إِلَى جِهَة خولان الْعَالِيَة فاستوطن وَادي عَاشر وابتنى بهَا دَارا عَظِيمَة من أحسن الْمنَازل تولى بناءها وَلَده الْعَلامَة الْأَمِير شرف الدّين الْحسن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَحْمد بن عَامر فهيأها للضيوف على قدر ههمته وَكَانَ مضيافاً كَرِيمًا وَلما اسْتَقر القَاضِي بعاشر انْتفع بِهِ الْعَامَّة والخاصة ورحل إِلَيْهِ الْفُضَلَاء للْقِرَاءَة كَالْقَاضِي الْمُحَقق مُحَمَّد بن نَاصِر بن دعيش وَكَانَ أحد رُوَاة أخباره قَالَ وَكَانَ لَا يتْرك الْأَشْرَاف على التَّذْكِرَة فِي الْفِقْه كل يَوْم

<<  <  ج: ص:  >  >>