للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ يُرِيدُ الْإِحْصَانَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ عَلَى الْمُحْصَنِ إذَا زَنَا الرَّجْمُ، وَالْإِحْصَانُ عَلَى أَوْجُهِ، الْإِحْصَانِ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] قَالَ مَالِكٌ فَهُنَّ الْحَرَائِرُ، وَالثَّانِي الْمُحْصَنَاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] يُرِيدُ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ، وَالثَّالِثُ الْإِحْصَانُ بِمَعْنَى الْعَفَافِ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي الْمَنْعِ فَالْمَرْأَةُ تَكُونُ مُحْصَنَةً بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُهَا مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْهَا وَتَكُونُ مُحْصَنَةً بِالْعَفَافِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَمُحْصَنَةً بِالتَّزْوِيجِ، وَأَمَّا الْإِحْصَانُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ بِالزِّنَا الرَّجْمَ، فَالصِّفَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ صِفَاتِ هَذَا الْوَجْهِ الْآخَرِ لِأَنَّهَا لَا تُحْصِنُ إلَّا حُرَّةً أُصِيبَتْ بِنِكَاحٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمُحْصَنَاتُ بِمَعْنَى النِّسَاءِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْصَانِ الْوَجْهَ الْآخَرَ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي صِفَاتِ الْمُحْصَنِ وَالثَّانِي فِي وَصْفِ مَا يَكْمُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْعُقُودِ وَالثَّالِثُ فِي ذِكْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالرَّابِعُ مَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَاتِ الْمُحْصَنِ] ١

هِيَ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا مُسْلِمًا يَصِحُّ مِنْهُ الْجِمَاعُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْلِ فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحْصَنًا بِجِمَاعِهِ وَيُحْصِنُ الْكَبِيرَةَ وَلَا يُحْصِنُ الصَّغِيرَةَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ الرَّجُلُ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَبِيرًا فَهُوَ جِمَاعٌ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَيْسَ بِجِمَاعٍ فَإِذَا كَانَ الْمُجَامِعُ كَبِيرًا وَالْمُجَامَعَةُ صَغِيرَةً فَلَهُ حُكْمُ الْجِمَاعِ التَّامِّ فَيَجِبُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي حَقِّ مَنْ كَمُلَتْ لَهُ صِفَاتُ الْإِحْصَانِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ مَنْ عَدِمَ فِيهَا شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ كَالصَّبِيَّةِ الَّتِي عُدِمَ فِيهَا الْبُلُوغُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْإِحْصَانِ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَوُجِدَ مِنْهَا الْجِمَاعُ فَهُمَا مُحْصَنَانِ وَمَنْ عُدِمْت فِيهِ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِالْجِمَاعِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ وَيَثْبُتُ لِلْآخَرِ إذَا وُجِدَتْ فِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ كَانَا مُسْلِمِينَ فَهُمَا بِالْجِمَاعِ مُحْصَنَانِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَهُوَ الْمُحْصَنُ دُونَهَا لِوُجُودِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ وَعَدَمُهُ فِيهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُسْلِمَةُ دُونَهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ.

(فَرْعٌ) وَإِذَا ثَبَتَ لِلرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِحْصَانِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا إلَّا بِإِحْصَانٍ مُسْتَأْنَفٍ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُؤْثَرُ هَذَا الْقَوْلُ.

وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ إنَّ رِدَّتَهُ لَا تُسْقِطُ حَصَانَتَهُ وَلَا إيمَانَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] وَهَذَا قَدْ أَشْرَكَ فَوَجَبَ أَنْ يَحْبَطَ كُلُّ عَمَلٍ كَانَ عَمِلَهُ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ تَعُودُ عَلَيْهِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيذَنَا بِرَحْمَتِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالرِّدَّةِ كَالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ طَلَاقُهُ وَتَعُودُ بِرِدَّتِهِ زَوْجَتُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا كَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْجِمَاعُ فَهُوَ السَّلِيمُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَوْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ وَلَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَإِنْ كَانَ خَصِيًّا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجِمَاعَ يَتَأَتَّى مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيهِ سَائِرُ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْجُنُونُ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>