للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فَرْعٌ) وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي إنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ مُظَاهِرٌ وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي أَنَّهَا الْبَتَّةُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَيَحْتَمِلُ الظِّهَارَ إلَّا أَنَّهُ فِي الظِّهَارِ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعْمَلَ تَشْبِيهَ الزَّوْجَةِ بِالْأُمِّ فِي الظِّهَارِ فَحُمِلَ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ بِهِ، فَإِذَا عُدِمَتْ النِّيَّةُ حُمِلَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ يَقْتَضِي الطَّلَاقَ الْبَائِنَ، وَالتَّشْبِيهَ بِالْأُمِّ يَقْتَضِي الظِّهَارَ، وَإِذَا تَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ التَّغْلِيظِ، وَالتَّخْفِيفِ حُمِلَ عَلَى أَشَدِّهِمَا كَمَنْ شَكَّ فِي طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْأُمِّ قَرَّرَ الشَّارِعُ بِهِ حُكْمَ الظِّهَارِ فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَابِهِ لَفْظُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ بِالظِّهَارِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا قَصَدَ التَّحْرِيمَ فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بِالظِّهَارِ هَذَا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِظَهْرِ غَيْرِ الْأُمِّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مُظَاهِرٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَكُونُ طَلَاقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا ظِهَارًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ أَصْلُهُ إذَا قَالَ: كَظَهْرِ أُمِّهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالظِّهَارِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمٍ مُؤَبَّدٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِرَفْعِ عَقْدِ الِاسْتِبَاحَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِظَهْرِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِغَيْرِ الظَّهْرِ مِنْ غَيْرِ الْأُمِّ، وَذَلِكَ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِعُضْوٍ غَيْرِ الظَّهْرِ فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ فُلَانَةَ أَوْ يَدِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ ظِهَارٌ فَحُكْمُهُ فِي الظِّهَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّةُ.

[بَاب مِنْ يظاهر مِنْهَا]

(بَابٌ) فَأَمَّا مَنْ يُظَاهِرُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الظِّهَارِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَطْؤُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ أَوْ مَا تَمْلِكُ يَمِينُهُ مِنْ أَمَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا فِي زَوْجَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٢] قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالسُّرِّيَّةُ مِنْ النِّسَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ فَرْجٌ مُبَاحٌ لَهُ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الظِّهَارِ كَالزَّوْجَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَائِمَةً فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَمَةِ شِقْصٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهَا ظِهَارٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لِنَقْصِ مِلْكِهِ فِيهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُكَاتَبَةِ، وَالْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَكُلِّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مِنْ الْإِمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ ظِهَارُهُ بِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ظِهَارُ الْحُرِّ يُرِيدُ أَنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا لِأَمْرِ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَأَمَّا الْمَالِكُ لِأَمْرِ نَفْسِهِ فَسَنُبَيِّنُ حُكْمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ وَيَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ فَلَزِمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>