للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ يَصُومُ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صِيَامِهِ) .

مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ فَكَانَتْ إحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وَإِدَامٌ مِنْ إدَامِ الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ» )

ــ

[المنتقى]

غَيْرَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هَذَا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ مَا يُطْعِمُ وَلَيْسَ فِي الْإِطْعَامِ مَعْنًى يُرَاعَى غَيْرُ إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِذَا أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ جَازَ كَالصَّوْمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا قَدَّمْنَاهُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ بِنَفْسِ الظِّهَارِ وَلَا بِالتَّوْقِيفِ؛ لِأَنَّ صِيَامَهُ شَهْرَانِ وَأَجَلُهُ فِي الْإِيلَاءِ شَهْرَانِ، فَإِنْ أَفْطَرَ سَاهِيًا أَوْ لِمَرَضٍ يَقْضِي أَجَلَ الْإِيلَاءِ قَبْلَ إتْمَامِ الْكَفَّارَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ أَجَلَ الْإِيلَاءِ عَلَى هَذَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ بِوَجْهٍ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَنْقَضِيَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَتَعْلِيلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ يَقْتَضِي غَيْرَهَا غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ بِذَلِكَ وَلَا يُوجَدُ لِمَالِكٍ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَعْضِ مَا يَعْتَذِرُ بِهِ الْعَبْدُ فِي رَفْعِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ الْعَبْدُ الصَّوْمَ وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عُذْرًا لِلْعَبْدِ يَمْنَعُ دُخُولَ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْعَبْدِ إيلَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يَمْنَعَهُ أَهْلُهُ الصِّيَامَ بِأَمْرٍ لَهُمْ فِيهِ عُذْرٌ فَهَذَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ إنْ رَافَعَتْهُ امْرَأَتُهُ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يُضْرَبُ بِالشَّرْعِ فِي الْكَفَّارَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ مِنْهُ أَهْلُهُ، فَإِنَّمَا يَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ لِيُبِيحَ أَهْلُهُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ التَّكْفِيرَ بِالصِّيَامِ، وَأَمَّا أَصْبَغُ فَلَمْ يَرَ مَنْعَ أَهْلِهِ مِنْ الصِّيَامِ ضَرَرًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِهِ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُرٌّ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَمَا لَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُرِّ الْإِيلَاءُ بِتَرْكِ عِتْقِ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ]

(ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ تُرِيدُ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ مَشْرُوعَةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَسْبَابُهَا مُخْتَصَّةً بِبَرِيرَةِ وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحَفُّظَ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ مِمَّا اهْتَبَلَ بِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْعُلَمَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى فَهْمِ مَعْنَى الْحُكْمِ وَعُمُومِهِ أَوْ خُصُوصِهِ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ اخْتِصَاصٍ بِهِ أَوْ تَعَدٍّ إلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ عَوْنٌ عَلَى حِفْظِ الْأَحْكَامِ وَاسْتِدَامَةِ حِفْظِهَا.

(فَصْلٌ) :

ثُمَّ فَسَّرَتْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: إنَّ إحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا اسْمُهُ مُغِيثٌ كَذَلِكَ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْمُفَارَقَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ رُتْبَةٌ أَرْفَعُ مِنْ رُتْبَةِ الرِّقِّ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّةً إلَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهَا أَمْرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>