للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلَاقُ الْبِكْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ أَنَّهُ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك قَالَ: فَإِنَّمَا طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ) .

ــ

[المنتقى]

وَوَلَدَ الزِّنَا تَرِثُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ نَسَبُهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي إلْحَاقِهِ بِهَا إلَى عَقْدِ النِّكَاحِ فَلِذَلِكَ لَا يَنْتَفِي عَنْهَا بِلِعَانٍ وَلَا إقْرَارٍ بِزِنًا وَلَا تَحَقُّقِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِي عَنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ فَلِذَلِكَ صَحَّ انْتِفَاؤُهُ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ أَصْلُ التَّوَارُثِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَبَطَلَ كُلُّ مِيرَاثٍ بِسَبَبِهِ وَلَمَا ثَبَتَ مِيرَاثُ الْأُمِّ مَعَ اللِّعَانِ، وَالزِّنَا ثَبَتَ كُلُّ مِيرَاثٍ بِسَبَبِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابٍ يَقْتَضِي أَنَّ عُمُومَ آيَاتِ التَّوَارُثِ يَتَنَاوَلُهُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَرِثَ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَوْلَاةً وَوَرِثَ بِالْوَلَاءِ كُلُّ مَنْ تَلِدُهُ فَمَوَالِي أُمِّهِ مَوَالِي كُلِّ مَنْ تَلِدُهُ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ مَنْ يَرِثُ إلَّا الْأُمُّ، وَالْإِخْوَةُ وَلَا يُحِيطُونَ بِالْمِيرَاثِ فَالْبَاقِي مَوْرُوثٌ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَلِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَا فَضَلَ عَنْ الْفُرُوضِ وَلَا تُورَثُ بِالْوَلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[طَلَاقُ الْبِكْرِ]

(ش) : قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلَّذِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك تَصْرِيحٌ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعَطَاءٌ: هِيَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَلْفَاظٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ إيقَاعُهُ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ عَلَيْهَا صَحَّ أَنْ يُكْمِلَ لَهَا الثَّلَاثَ كَالْمَدْخُولِ بِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ السَّائِلِ: إنَّمَا طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ إنَّمَا أَوْقَعَهَا فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَجْمَعُ ذَلِكَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَتْهُ الْوَاحِدَةُ دُونَ الثِّنْتَيْنِ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالِكٌ: تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ إذَا اتَّصَلَ كَلَامُهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْعَطْفُ عَلَيْهِ كَطَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ حَلَالًا، فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا إنْ دَخَلَ بِهَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ أَضْعَفُ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِالْمَسِيسِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ مَا لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إبْرَاهِيمُ أَنَّ لَهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي الَّذِي يَعْقُبُهُ الطَّلَاقُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي صَدَاقٌ كَامِلٌ بِمَا أَفْرَدَ بِهِ الدُّخُولَ فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>