للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُدُوم لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ قَالَتْ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ قَالَتْ فَانْصَرَفْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيت لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْت؟ فَرَدَدْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْت لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي فَقَالَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْته فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ» )

ــ

[المنتقى]

[مُقَامُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفُرَيْعَةِ نَعَمْ لِتَنْتَقِلَ إلَى بَنِي خُدْرَةَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَدَّدَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّسْخِ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ أَوَّلًا فِي قَوْلِهَا أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَتْرُكْهَا فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا يَمْلِكُ سُكْنَاهُ وَكَانَ لَفْظُهَا مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ لَفْظَهَا مُحْتَمِلٌ فَاسْتَرْجَعَهَا وَأَمَرَهَا بِأَنْ تُعِيدَ عَلَيْهِ قِصَّتَهَا فَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ إعَادَتِهَا أَنَّهَا نَفَتْ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ مَنْزِلًا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ فِي مَنْزِلٍ قَدْ مَلَكَ زَوْجُهَا سُكْنَاهُ إمَّا بِاكْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَأَمَرَهَا بِالْمُقَامِ وَإِتْمَامِ الْعِدَّةِ فِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمَسْكَنِ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ الْعِدَّةَ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ «حَدِيثُ الْفُرَيْعَةِ وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَأَنَّهَا امْتَثَلَتْ ذَلِكَ بِأَنْ اعْتَدَّتْ فِيهِ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ، وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَعَدَدٌ كَثِيرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْقَطَّانُ وَشُعْبَةُ.

وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرَهُ، وَقَدْ أَخَذَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ النَّاسِخُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: ٢٤٠] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ عِدَّةٌ فَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا الْمَسْكَنُ لِلزَّوْجَةِ كَالْمُطَلَّقَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَأَنَّهُ قَدْ اُحْتِيطَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَكْثَرُ مِمَّا اُحْتِيطَ فِي الْمُطَلَّقَةِ لِمَوْتِ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ بِالنَّسَبِ فَثَبَتَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَجُعِلَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الشُّهُورَ دُونَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُورَ يَظْهَرُ أَمْرُهَا وَالْحَيْضُ يَخْفَى أَمْرُهُ، ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ السُّكْنَى مُرَاعًى فِي الْمُطَلَّقَةِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ فَبِأَنْ تَثْبُتَ فِي حُكْمِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، وَهَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي وَرُبَّمَا وَصَلْته بِمَا يُتَمِّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(فَرْعٌ) وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّارِ إذَا كَانَتْ لِلْمُتَوَفَّى وَأَرَادَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ؟ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِدَّةُ لِلْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالسُّكْنَى مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْتَابُ فَتَمْتَدُّ عِدَّتُهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ وَالرِّيبَةُ نَادِرَةٌ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعُقُودِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ اخْتِلَافَ مُدَّةِ الْقَبْضِ إذَا كَانَ فِيهَا تَفَاوُتٌ أَثَّرَتْ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَتْ السُّكْنَى لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِيهِ بِهَذَا الشَّرْطِ فَارْتَابَتْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ هِيَ أَحَقُّ بِالْمُقَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعِدَّةِ الْمُعْتَادَةِ، وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>