للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَيْبُ فِي الرَّقِيقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِالْغُلَامِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدُ فَصَحَّ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) .

ــ

[المنتقى]

الْبَائِعُ وَلَا الْبَيْعُ مُعَرَّضٌ لَهُ فَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الثُّلُثُ فَأَقَلَّ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ هَذَا عَيْبٌ يُذْهِبُ مُعْظَمَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ إطْلَاقُ الْبَرَاءَةِ كَالْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّةَ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا لَا شَكَّ تَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ الرَّائِعَةِ بِالْبَرَاءَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ جَائِزٌ وَلَا يَدْخُلُ الْحَمْلُ فِي الْبَرَاءَةِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَمْلِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْجَارِيَةِ الْمَسْبِيَّةِ تَقَعُ فِي سَهْمِ الرَّجُلِ أَوْ يَشْتَرِيهَا فِي الْمَقَاسِمِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَلْتَذَّ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِمَا دُونَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَقَاسِمِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ فَلَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَمْ يَرُدَّهَا بِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ لِلْحَمْلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّةَ فِيمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْبَرَاءَةِ دُونَ مَا لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ كَمَا لَا تَتَنَاوَلُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ.

(فَصْلٌ) :

ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ بَاقِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ، فَإِنْ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا يُرِيدُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيمَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْهَا، فَإِنْ وَقَعَ هَذَا وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْبَرَاءَةِ هُوَ السُّلْطَانُ، وَقَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ، وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَ بِهِ مِنْ بَيْعٍ عَلَيْهِ مِنْ مُفْلِسٍ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَثْبُتُ فِيمَا عَلِمَ مِنْ الْعُيُوبِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ، وَرَوَى دَاوُد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا أَشْهَدَ عَلَى الْغَرِيمِ أَنَّهُ دَلَّسَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ وُجِدَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ قَدْ فُرِّقَ عَلَى الْغُرَمَاءِ.

(فَرْعٌ) وَبِمَا يَثْبُتُ تَدْلِيسُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُفْلِسَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِمَا عَلِمَ الْبَائِعُ أَوْ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إلَّا بِإِقْرَارِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِمَا قَبَضُوا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِرْجَاعِ مَا بِأَيْدِيهِمْ وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُمْسِكَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَيَتْبَعَهُ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا حَجَرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُ الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَيَأْخُذُهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْغُرَمَاءُ عَلَى غَرِيمِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ رَدَّهُ وَأَخْذَ الثَّمَنِ.

[الْعَيْبُ فِي الرَّقِيقِ وَفِيهِ أَبْوَاب]

(ش) : قَضَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْيَمِينِ أَنَّهُ مَا كَتَمَ عَيْبًا عَلِمَهُ تَجْوِيزٌ مِنْهُ لِبَيْعِ الْإِنْسَانِ عَبْدَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَإِعْمَالٌ مِنْهُ بِالْبَرَاءَةِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ مِنْ الْعُيُوبِ دُونَ مَا عَلِمَ وَأَبْقَى لِلْمُبْتَاعِ حُكْمَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيمَا عَلِمَ بِهِ الْبَائِعُ وَكَتَمَهُ، وَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَشُكُّ فِي فَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِكِتْمَانِ عَيْبِهِ وَالتَّدْلِيسِ بِهِ إلَّا أَنَّ الْأَحْكَامَ فِي الْحُقُوقِ وَالْمُعَامَلَاتِ جَارِيَةٌ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حَالُهُمَا فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالتُّهْمَةِ وَظَاهِرُهَا سَالِمٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ تُبْرِئُهُ فِيمَا عَلِمَ مِنْ الْعُيُوبِ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَمْ يُسَوِّغْهُ ذَلِكَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْبَائِعُ بِالْبَرَاءَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَ بِالْبَرَاءَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>