للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً عَدَّاهُ وَأُثْبِتَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمَعْنَى إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهَا اسْمَ الرُّخْصَةِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَوَى عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْعَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ» .

وَرَوَى عَنْهُ إبَاحَةَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَرْصِ فِي الْعَرِيَّةِ رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَلَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ» قَالَ سَالِمٌ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ» فَخَصَّ الْعَرِيَّةَ بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ سَائِرِ الْمَبِيعِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَعْنَى الْمُبِيحِ لِذَلِكَ ضَرُورَةُ الشَّرِكَةِ إذْ كَانَ أَصْلُهَا الْعَرِيَّةَ وَهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَفِيهِ مَعْنًى مِنْ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعَرَّى إذَا خُرِصَتْ عَلَيْهِ الْعَرِيَّةُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يَأْكُلَهَا وَيَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ وَيُعْطِيَهَا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا إزَالَةُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْحَوَائِطِ الِانْفِرَادُ بِعِيَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ فِي حَوَائِطِهِمْ وَجَمْعُ مَا يَسْقُطُ مِنْهَا وَأَكْلُ ثَمَرِهَا رُطَبِهِ وَيَابِسِهِ فَإِذَا أَعَارَ نَخْلَةً مِنْ حَائِطِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ بِأَهْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُعْرِي أَنْ يُقِيمَ مَعَ عَرِيَّتِهِ أَوْ يَمْتَنِعَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْرِي وَعَلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ لِانْبِسَاطِهِمْ فِي الْجَمْعِ وَالْأَكْلِ مِمَّا يَسْقُطُ إلَّا بَعْدَ التَّحَفُّظِ مِنْ الْعَرِيَّةِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْمَشَقَّةِ إلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِعْدَادِ فِي عَامٍ آخَرَ.

وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْرِي إذَا أَعْرَى نَخْلَةً إنْ احْتَاجَ مِنْ مُرَاعَاتِهَا وَجَمْعِ سَوَاقِطِهَا وَحِفْظِهَا وَسَقْيِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا لَزِمَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ قِيمَتِهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بَعْدُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَكُونُ فِيهِ، وَتَرْكِ التَّحَفُّظِ مِنْ ثَمَرَةِ الْغَيْرِ وَيَحْتَاجُ الْمُعْرِي إلَى مَنْ يَكْفِيهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي عَرِيَّتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَجَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُخْرَصَ عَلَى الْمُعْرَى وَيَكُونَ عَلَيْهِ خَرْصُهَا تَمْرًا يُؤَدِّيهِ إلَى الْمُعْرِي عِنْدَ الْجُذَاذِ كَمَا يُخْرَصُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَائِطِهِ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ وَيَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُ فِي الْحَائِطِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُهُمْ بِمُشَارَكَةِ الْمُعْرَى وَيَلْحَقُ أَهْلَ الزَّكَاةِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَائِطِ وَالْحِفْظِ لَهُ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمُعْرِي وَقَدْ قَرَّرَ الشَّرْعُ فِيهِ خَرْصَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَالِ لِيُؤَدُّوهُ عِنْدَ الْجُذَاذِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَأَمَّا عِلَّةُ الِاسْتِضْرَارِ بِالدُّخُولِ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْإِرْفَاقُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إبَاحَةِ الْمَحْظُورِ وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا لِمَنْ أَرَادَ إرْفَاقَ صَدِيقٍ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ نَاقِصَةً بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَازِنَةٍ عَدَدًا وَمَنَعَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنْ تَكُونَ لِذَلِكَ عِلَّةٌ عِنْدَ اسْتِضْرَارِ الْمُعْرِي بِدُخُولِ الْمُعْرَى فَأُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَيَتَحَرَّرُ عِنْدِي مِنْ هَذَا قِيَاسٌ أَنَّ هَذَا مَعْنَى حَدَّ فِي الشَّرْعِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَجَازَ أَنْ تُخْرَصَ ثَمَرَتُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مَنْ تَخَرَّصَ عَلَيْهِ خَرْصَهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجُذَاذِ، أَصْلُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ] ١

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا خَصَّ بِذَلِكَ صَاحِبَ الْعَرِيَّةِ وَسَمَّاهُ بَيْعًا لَمَّا كَانَ لَهُ اسْتِهْلَاكُ الثَّمَرَةِ الَّتِي تُخْرَصُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا فَقَدْ مَلَكَهَا وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ إنْ شَاءَ مِثْلَ خَرْصِهَا بَدَلًا مِنْهَا وَهَذَا فِيهِ مَعْنًى مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ لُزُومُ الْمُعَاوَضَةِ لِلْمُعْرِي وَلُزُومُ كَثِيرٍ مِنْ مَعْنَى الْعَقْدِ لِلْمُعَاوَضِ مِنْ حِفْظِ الثَّمَرَةِ وَجَذِّهَا وَالْتِزَامِهَا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي دَفْعِ تِلْكَ الْعَيْنِ وَبَدَلِهَا بَعْدَهَا وَهَذَا إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقَرْضِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى صِفَتِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ مَعْنَى الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَمْ تَرِدْ فِي الشَّرْعِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُرْضِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِ الْبَيْعِ وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُعْرِي مُعَيَّنٌ مَالِكٌ لِأَمْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْعَرِيَّةِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ فَكَذَلِكَ الْمُعْرَى لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُهَا إلَّا بِالزَّكَاةِ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلزَّكَاةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا لِلْإِمَامِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ خَرْصِ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>