للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهَا رَجُلٌ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَيُعْطِيهِ ذَهَبَهُ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ لَهُ مِنْهَا فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ انْشَقَّتْ الرَّاوِيَةُ فَذَهَبَ زَيْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا ذَهَبُهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ. قَالَ مَالِكٌ، وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا يُشْتَرَى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إذَا حُلِبَ وَالرُّطَبِ يُجْنَى فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ فَنِيَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى رَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ ذَهَبِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً بِمَا بَقِيَ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِنْ فَارَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظْرَةٌ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا)

ــ

[المنتقى]

[جَامِعُ بَيْعِ الثَّمَرِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا مِنْ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَشْرَعُ فِي قَبْضِهِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ قَبْضُهُ بِأَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَكَوْنُ اللَّبَنِ فِي الْغَنَمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُ ثَمَرِ الْحَائِطِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْغَنَمِ لَبَنٌ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» ، وَأَمَّا لَبَنُ الْغَنَمِ فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مَائِعٌ طَاهِرٌ خَارِجٌ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ غَالِبًا فَجَازَ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَهَا كَمَاءِ الْعُيُونِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ هَذِهِ أُنْثَى ذَاتُ لَبَنٍ فَجَازَ أَنْ يُسْتَبَاحَ أَخْذُهُ بِالْمُعَارَضَةِ عَلَيْهِ دُونَهَا كَالطَّيْرِ.

(فَصْلٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ إذَا كَانَ يُوجَدُ عَاجِلًا يَشْرَعُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الثَّمَنَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ النُّضْجِ وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ النُّضْجِ وَالْإِرْطَابِ كَالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ تُؤَخِّرُ الثَّمَرَةَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ طَلَبًا لِلْإِرْطَابِ أَوْ لِبَقَاءِ النَّضَارَةِ فِيهَا لِيُؤَخَّرَ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِنَضَارَتِهَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ فِي تَأَخُّرِهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ وَهَذَا فِيمَا يَشْرَعُ فِيهِ مِنْهُ، وَأَمَّا اتِّصَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَخْذًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ أَوْ لِبَقَاءِ حَلَاوَةِ مَا يَحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَأَمَّا الصُّوفُ يُشْتَرَى عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ بِقَدْرِ مَا يَنْظُرُ فِي جَزِّهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مُدَّةً لَا يَزِيدُ الصُّوفُ فِي مِثْلِهَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ الْعَشَرَةَ أَيَّامٍ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شِرَاءَ الثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْوَجْهَيْنِ وَبَقِيَ تَبْيِينُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ أَصْوُعًا مَعْرُوفَةً فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهُ عَلَى حَالِهِ وَصِفَتِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهُ بَعْدَ تَغَيُّرِ صِفَتِهِ فَأَمَّا أَخْذُهُ عَلَى حَالِهِ بُسْرًا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ أَصْوُعِ تَمْرٍ مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ اشْتِرَاءِ أَصْوُعِ رُطَبٍ أَوْ بُسْرٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَإِنْ اشْتَرَطَ إبْقَاءَهُ إلَى تَغَيُّرِ صِفَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ حَالَ بُسْرِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ رُطَبًا أَوْ إلَى أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا فَإِنْ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ رُطَبًا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْإِرْطَابَ إنَّمَا هُوَ نُضْجٌ وَلَيْسَ فِيهِ نُقْصَانٌ مِنْ الْقَدْرِ وَلَا زِيَادَةٌ وَلَا تَغَيُّرُ مَعْنًى أَكْثَرَ مِنْ النُّضْجِ فَجَازَ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ تَمْرًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ حِينَ الْإِرْطَابِ وَاشْتَرَطَهُ تَمْرًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِفَتَهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ جُفُوفِهِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ يَلْحَقُهُ فِي الْمِقْدَارِ وَالصِّفَةِ وَذَلِكَ مُؤَثِّرٌ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ تَغَيُّرُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ إذَا أَفْرَكَ يُفْسَخُ فِيهِ الْبَيْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّغَيُّرَ يَلْحَقُهُ فِي الْمِقْدَارِ وَالصِّفَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>