للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ» ) .

ــ

[المنتقى]

يَجِبُ أَنْ تَجُوزَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أُصُولِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا تَجُوزَ عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَكْثَرُ تَمَسُّكًا بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الْمُتَسَلِّفَ فَهُوَ يَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَا اُشْتُرِيَ جُزَافًا فَإِنَّ اسْتِيفَاءَهُ بِتَمَامِ الْعَقْدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْفِيَةٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَخَرَّجُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ عَامٌّ فِيهِ وَفِي الْمَكِيلِ إلَّا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِيهِ بِتَمَامِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَنْعُ وَالْحَدِيثُ خَاصٌّ فِي الْمَكِيلِ الَّذِي فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَنْقُلَهُ أَوْ يَأْخُذَهُ فَعَلَّقَ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا مُصَبَّرًا جُزَافًا فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ نَقَدَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى تَمْرًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ اسْتِيفَاؤُهُ لَمْ يُوجَدْ لِاتِّفَاقِنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْجَامِحَةِ فِيهِ.

وَقَدْ رَوَى الْوَقَارُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ عَلَى الْجُزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالثَّوْرِيُّ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ ابْتَاعَ لَبَنَ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا شَهْرًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَحْلُبَهُ نَهَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ النَّهْيَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُضْمَنْ مِنْ الطَّعَامِ؛ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَمْيِيزِ مَا يُصَحِّحُ قَبْضَ الْبَيْعِ الثَّانِي]

أَمَّا قَبْضُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الطَّعَامَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُسَلِّمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ كَذَلِكَ قَبْضُ زَوْجَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ الْكَبِيرَ الَّذِي قَدْ بَانَ بِالْحِيَازَةِ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ اسْتَوْفَى كَيْلَةً مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ وَتَرَكَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةً وَاسْتِيفَاءُ مَنْ وُهِبَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ قَرْضُهُ يُبِيحُ لَهُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مَحَلَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(ش) : قَوْلُهُ كُنَّا نُؤْمَرُ بِانْتِقَالِهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ جُزَافًا.

وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا وَرَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْت الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ فَلَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ يَتِمُّ بِتَمَامِ اللَّفْظِ بِالْبَيْعِ.

وَقَدْ رَأَيْت لِابْنِ عَبْدُوسٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا يَقْتَضِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَ عَدَدِ نَخَلَاتٍ بِلَا كَيْلٍ أَنَّ لَهُ بَيْعَ ذَلِكَ قَبْلَ جَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي ضَمَانِهِ بِالْبَيْعِ فَذَلِكَ قَبْضٌ فَاقْتَضَى قَوْلُهُ أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ هُوَ الْقَبْضُ، وَأَمَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَتَاعِ فَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ التَّوْفِيَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ تَرْكِهِ مَنْعَ ذِي الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ.

وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ عَلَى التَّوْفِيَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى ضَرْبِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ لِيَتَبَيَّنَ الِاسْتِيفَاءُ بَعْدَ وُجُودِ التَّوْفِيَةِ بِالتَّخْلِيَةِ فَشُرِعَ نَقْلُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ عَمَلٌ ظَاهِرٌ فِيهِ بَعْضُ أَفْعَالِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ فِيهِ أَيْضًا نُقِلَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان إلَّا أَنَّهُ نَقْلٌ يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَلَمْ يَبْقَ فِي الْجُزَافِ عَلَى الْبَائِعِ عَمَلٌ فَجَازَ لِذَلِكَ بَيْعُهُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>