للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

تَقَارَبَتْ مَنَافِعُ خُبْزِهَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا كَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَصِحُّ عِنْدِي أَنْ نَبْنِيَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أُصُولِهِمَا مِنْ الْقَطَانِيِّ هَلْ هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ سَوِيقَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُبْزِهَا أَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ خُبْزًا غَالِبًا، وَتُتَّخَذُ سَوِيقًا غَالِبًا، وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّ خُبْزَ الْقُطْنِيَّةِ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِخُبْزِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأَرُزِّ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ تُتَّخَذُ خُبْزًا غَالِبًا، وَهَذِهِ لَا تُتَّخَذُ فِي الْغَالِبِ خُبْزًا.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْخُبْزَ صِنْفٌ يَجُوزُ التَّمَاثُلُ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ التَّمَاثُلُ فِيهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ تَمَاثُلُ الدَّقِيقِ فِي الْخَبْزَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَقَالَهُ أَصْبُغُ فِي هَرِيسَةِ الْقَمْحِ بِالْأَرُزِّ الْمَطْبُوخِ، وَهَذَا عِنْدِي عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّمَاثُلُ فِيهِ بِالْوَزْنِ، وَيُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ دُونَ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ قَدْ غَيَّرْته عَنْ جِنْسِ أَصْلِهِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ أَصْلُهُ، وَهُوَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَمَا جَازَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ لِاخْتِلَافِهِمَا حَالَ الِادِّخَارِ، وَلَمَا جَازَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ لِاخْتِلَافِهِمَا حَالَ الْإِرْطَابِ أَوْ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجُفُوفِ، وَلَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ النَّبِيذِ بِالنَّبِيذِ مُتَسَاوِيًا عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ التَّسَاوِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ تَحَرِّي تَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوَجَبَ مِثْلُ هَذَا فِي الْخَلِّ بِالْخَلِّ، وَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الطَّحْنُ فَلَيْسَ بِمُغَيِّرٍ لِلْجِنْسِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْجِنْسُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ الطَّحْنَ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ كَفَتِّ الْخُبْزِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ يُغَيِّرُ الْجِنْسَ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مُتَسَاوِيًا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْمَنْعُ، وَالْأُخْرَى الْإِبَاحَةُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَوْجِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الطَّحْنَ لَيْسَ بِجِنْسٍ فَوَجَبَ التَّمَاثُلُ فِيهِ بِالْكَيْلِ الَّذِي يُعْتَبَرُ بِهِ، وَعَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ، وَمَنْ كَوْنِهِمَا قَمْحًا أَوْ دَقِيقًا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا اخْتِلَافًا يُوجِبُ عَدَمَ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا حَالَ تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ، وَمِنْ كَوْنِهِمَا قَمْحًا أَوْ دَقِيقًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِمَا كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ أَنَّ الْكَيْلَ مَعْنًى يُعْتَبَرُ بِهِ التَّمَاثُلُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُرَاعَى فِيهِ كَثْرَةُ أَجْزَاءِ الْمَكِيلِ، وَقُلْتهَا كَالتَّمْرِ الصَّغِيرِ بِالتَّمْرِ الْكَبِيرِ كَيْلًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُمَا لِاخْتِلَافِ الْحَالَتَيْنِ فَيَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ، وَيُمْنَعُ عَلَى وَجْهٍ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ فِي وَجْهِ الْإِبَاحَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ كَيْلًا لَا وَزْنًا، وَلَا تَحَرِّيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ وَزْنًا، وَلَا يَجُوزُ كَيْلًا، وَوَجْهُ اعْتِبَارِ وَزْنِ الْمَكِيلِ أَنَّ التَّمَاثُلَ فِي الْكَيْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ فَإِذَا وَصَلَ إلَى التَّمَاثُلِ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَوَجْهُ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُبِيحَ لِبَيْعِ الْمُقْتَاتِ بِجِنْسِهِ التَّمَاثُلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ مِقْدَارُهُ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ كَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ الْمَكِيلِ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَا يَقَعُ التَّمَاثُلُ بِهِ فِي الْمَقَادِيرِ] ١

أَمَّا مَا يَقَعُ التَّمَاثُلُ بِهِ فِي الْمَقَادِيرِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ فِي الشَّرْعِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ فِي الشَّرْعِ فَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ مِقْدَارٌ مَشْرُوعٌ فَكَالْكَيْلِ فِي الْحُبُوبِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْأَوْسُقَ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ، وَحُكْمُ الْحُبُوبِ حُكْمُهَا فِي اعْتِبَارِ نُصُبِ الزَّكَاةِ، وَكَانَ الْكَيْلُ مَشْرُوعًا فِيهَا، وَكَذَلِكَ شَرَعَ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَشَرَعَ فِي إخْرَاجِ فِدْيَةِ الْأَذَى فَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ بِجِنْسِهِ بِغَيْرِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ التَّمَاثُلَ يُعْدَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ مُعْتَادٌ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ مِنْ أَحَدِهِمَا فَأَمَّا مَا لَهُ مِقْدَارٌ مُعْتَادٌ مِنْهُمَا فَهُوَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَخْتَلِفَ مِقْدَارُهُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِهَا فَأَمَّا مَا لَا يَخْتَلِفُ فَمِثْلُ اللَّحْمِ الَّذِي يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ فِي كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>