للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَامِعُ بَيْعِ الطَّعَامِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ الطَّعَامَ يَكُونُ مِنْ الصُّكُوكِ بِالْجَارِ فَرُبَّمَا ابْتَعْت مِنْهُ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ فَأُعْطِيَ بِالنِّصْفِ طَعَامًا فَقَالَ سَعِيدٌ لَا، وَلَكِنْ أَعْطِ أَنْتَ دِرْهَمًا، وَخُذْ بَقِيَّتَهُ طَعَامًا) .

ــ

[المنتقى]

الْعِوَضَيْنِ أَدْوَنَ أَجْزَاءَ مِنْ الْعِوَضِ الْآخَرِ تُبِيحُ فِيهِمَا الْمُبَادَلَةُ كَالذَّهَبَيْنِ بِالذَّهَبِ يَكُونُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الذَّهَبَيْنِ أَدَوْنَ مِنْ الذَّهَبِ الْمُنْفَرِدِ أَوْ أَجْوَدَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّقْسِيطَ فِيهِمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ بَيْنَ أَبْعَاضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، وَأَبْعَاضِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَدَلِ، وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ بَادَلَهُ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ دَقِيقٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ وَمُدِّ دَقِيقٍ أَوْ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ وَمُدِّ شَعِيرٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَنْعُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا تَقَدَّمَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلَ مُدِّ حِنْطَةٍ وَمُدِّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ نَعْلَمُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.

[جَامِعُ بَيْعِ الطَّعَامِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنِّي أَبْتَاعُ طَعَامًا يَكُونُ فِي الصُّكُوكِ بِالْجَارِ يُرِيدُ مِنْ الصُّكُوكِ الَّتِي تَخْرُجُ بِالْأَعْطِيَةِ لِأَهْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ الْمَحْضَةِ دُونَ وَجْهٍ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ فَيَبِيعُهَا فَكَانَ هَذَا يَبْتَاعُهَا، وَيَتَّجِرُ فِيهَا فَرُبَّمَا ابْتَاعَ الْجُمْلَةَ مِنْهَا بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ إمَّا لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى سِعْرٍ مَا فَأَدَّى الْحِسَابَ فِي الْجُمْلَةِ إلَى دِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ.

وَإِمَّا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِهَذَا الْعَدَدِ حِينَ لَمْ يُجِبْ الْبَائِعُ إلَى الْبَيْعِ بِدِينَارٍ، وَلَا رَضِيَهُ الْمُبْتَاعُ بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فَاتَّفَقَا عَلَى دِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صِحَاحًا فَكَانَ مَنْ اسْتَحَقَّ عَلَى آخَرَ نِصْفَ دِرْهَمٍ أَخَذَ بِهِ عَرْضًا لِعَدَمِ الْإِنْصَافِ فَأَرَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنْ يَدْفَعَ طَعَامًا بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَاضِيَهُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَهُ أَوْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَا الصَّرْفَ، وَيَتَقَايَلَا بِمِقْدَارِ النِّصْفِ دِرْهَمٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ وَمَغِيبِ الْمُبْتَاعِ عَلَيْهِ، وَقَالَ إنَّهُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ طَعَامًا مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَثَرِ قَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ لَهُ سَعِيدٌ أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ دِرْهَمٍ إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ فَكَرِهَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا أَوْ طَعَامًا بِطَعَامٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ دِرْهَمٍ وَرِقًا أَوْ غَيْرَ الطَّعَامِ فَمَا كَانَ بِذَلِكَ بَأْسٌ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ مِنْ وَجْهِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى بِدِينَارٍ قَمْحًا فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ لَمْ يَجِدْ إلَّا دِينَارًا نَاقِصًا فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِينَارًا نَاقِصًا فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ بِدِينَارٍ لَحْمًا فَلَمْ يَجِدْ إلَّا دِينَارًا نَاقِصًا فَقَالَ لَهُ خُذْ مِنْ اللَّحْمِ بِنِصْفِ الدِّينَارِ يَدْخُلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْفَسَادِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ أَوَاقْتِضَاءُ طَعَامٍ مِنْ طَعَامٍ، وَالتَّفَاضُلُ فِي الطَّعَامِ، وَالتَّفَاضُلُ فِي الْوَرِقِ.

وَيَدْخُلُ بَعْضَ الْقَبْضِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ إنَّمَا كَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>