للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانِ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْحُكْرَةِ) .

ــ

[المنتقى]

قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَبْتَاعَهُ فِي وَقْتِ سَعَةٍ، وَجَوَازِ الشِّرَاءِ ثُمَّ تَلْحَقُ النَّاسَ شِدَّةٌ، وَضَرُورَةٌ إلَى الطَّعَامِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قِيلَ لِمَالِكٍ فَإِذَا كَانَ الْغَلَاءُ الشَّدِيدُ، وَعِنْدَ النَّاسِ طَعَامٌ مَخْزُونٌ أَيُبَاعُ عَلَيْهِمْ قَالَ مَا سَمِعْته، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ طَعَامٌ مَخْزُونٌ، وَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِلْغَلَاءِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ بِإِخْرَاجِهِ إلَى السُّوقِ فَيُبَاعَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ شِرَاؤُهُ لِيَكُونَ عُدَّةً لِلنَّاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ احْتَكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ احْتِكَارُهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ يَتُوبُ، وَيُخْرِجُهُ إلَى السُّوقِ، وَيَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لَا يَزْدَادُ فِيهِ شَيْئًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ قَدْ تَعَلَّقَ بِشِرَائِهِ لِحَقِّ النَّاسِ، وَأَهْلِ الْحَاجَةِ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ أَوَّلًا حِين ابْتِيَاعِهِ إيَّاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ فِعْلِهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُخْرَجُ مِنْ يَدِهِ إلَى أَهْلِ السُّوقِ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ثَمَنُهُ فَبِسِعْرِهِ يَوْمَ احْتِكَارِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَصُرِفَ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبَدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ جَلَبَ فِي قَلْبِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ بَرْدِهِ وَقَلْبِ الصَّيْفِ وَشِدَّةِ حَرِّهِ فَيَلْقَى النَّصَبَ فِي سَفَرِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مِنْ كَبَدِهِ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ يَجْلِبُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ فَأَضَافَ كَبِدَهَا إلَيْهِ بِحَقِّ مِلْكِهِ لَهَا، وَاخْتِصَاصِهَا بِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ، وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّ عُمَرَ يَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَ إجْبَارَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَأَضَافَ الْمَشِيئَةَ إلَى اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] فَلَا يَشَاءُ الْجَالِبُ الْبَيْعَ وَالْإِمْسَاكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[التَّسْعِير عَلَيَّ ضربين وَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ]

(ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَانَ يَبِيعُ دُونَ سِعْرِ النَّاسِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِسِعْرِ النَّاسِ أَوْ يَقُومَ مِنْ السُّوقِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالتَّسْعِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَنْ حَطَّ مِنْ سِعْرِ النَّاسِ أُمِرَ أَنْ يَلْحَقَ بِسِعْرِهِمْ أَوْ يَقُومَ مِنْ السُّوقِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِينَ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ) .

وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ السِّعْرِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ فَإِذَا انْفَرَدَ عَنْهُمْ الْوَاحِدُ أَوْ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ بِحَطِّ السِّعْرِ أُمِرَ مَنْ حَطَّهُ بِاللَّحَاقِ بِسِعْرِ النَّاسِ أَوْ تَرْكِ الْبَيْعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ زَادَ فِي السِّعْرِ وَاحِدٌ أَوْ عَدَدٌ يَسِيرٌ لَمْ يُؤْمَرْ الْجُمْهُورُ بِاللَّحَاقِ بِسِعْرِهِ أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ بِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ لَيْسَ السِّعْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَا بِمَا تُقَامُ بِهِ الْمَبِيعَاتُ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ حَالُ الْجُمْهُورِ، وَمُعْظَمُ النَّاسِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقَامُ النَّاسُ لِخَمْسَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى قَدْرِ الْأَسْوَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِالتَّسْعِيرِ مِنْ الْبَائِعِينَ] ١

<<  <  ج: ص:  >  >>