للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ كُلِّهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَرَى لُحُومَ الطَّيْرِ كُلَّهَا مُخَالِفَةً لِلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالْحِيتَانِ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ) .

مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغْيِ مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ رِشْوَتَهُ، وَمَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَاهَنَ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ ثَمَنَ الْكَلْبِ الضَّارِي وَغَيْرِ الضَّارِي لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) .

ــ

[المنتقى]

مَا يَجِبُ فِيهِ التَّمَاثُلُ بِالْجُفُوفِ وَالرُّطُوبَةِ يَمْنَعُ التَّحَرِّيَ فِيهِ كَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ لَحْمَ الْحِيتَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لِمَا قُلْنَاهُ، وَيَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّفَاضُلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا الْأَجَلُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسْئًا كَالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَكَذَا حُكْمُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّحْمِ كَالشَّارِفِ وَالْكَسِيرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ اللَّحْمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ، وَهُوَ طَعَامٌ فَلَا يَجُوزُ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْحَيَوَانُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِغَيْرِ اللَّحْمِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَا أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ لَكِنَّهُ أَثَّرَتْ الْحَيَاةُ فِيهَا لَمَّا تَسَاوَى الْغَرَضَانِ فِيهَا مَا أَثَّرَ التَّسَاوِي فِي بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتُونِ حَبًّا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ الزَّيْتِ مُتَمَاثِلٌ، وَلَا يَجِبُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُون مِنْ الزَّيْتِ مُسَاوٍ لِلزَّيْتِ الْمُنْفَرِدِ، وَلَمَّا أَثَّرَ فِي ذَلِكَ التَّمَاثُلُ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ.

[مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ]

(ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ ثَمَنَ الْكَلْبِ الْمَنْهِيَّ عَنْ اتِّخَاذِهِ فَيَتَنَاوَلُ نَهْيُهُ الْبَائِعَ عَنْ أَخْذِ ثَمَنِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهَذَا يَمْنَعُ نَفْعَهُ، وَأَمَّا الْكَلْبُ الْمُبَاحُ اتِّخَاذِهِ، وَهُوَ كَلْبُ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ وَالصَّيْدِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَيَتَأَوَّلُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ بِثَمَنِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رَوَى أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ» فَأَبَاحَ اتِّخَاذَ مَا اسْتَثْنَى مِنْهَا، وَإِذَا أَبَاحَ اتِّخَاذَهُ جَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْكَلْبِ الضَّارِي فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا مَكْرُوهٌ، وَيَصِحُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَمَنْ قَتَلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَعَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ قِيمَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَانَ عَلَى مُسْتَهْلِكِهِ قِيمَتُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ مَهْرِ الْبَغْيِ يُرِيدُ مَا تُعْطَاهُ الزَّانِيَةُ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا يُعْطَاهُ الْكَاهِنُ لِتَكَهُّنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَلِأَنَّ التَّكَهُّنَ مُحَرَّمٌ، وَمَا حَرُمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>