للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَفُ وَبَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ آخُذُ سِلْعَتَك بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي اشْتَرَطَ السَّلَفَ مَا اشْتَرَطَ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ جَائِزًا) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّوْبَ مِنْ الْكَتَّانِ

ــ

[المنتقى]

فِي نَفْسِهِ حَرُمَ عِوَضُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.

[السَّلَفُ وَبَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ]

(ش) : مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» لَا نَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا، وَأَشْبَهَهَا مَا رَوَى أَيُّوبُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ» وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ الْإِسْنَادِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عُقُودِ الْبِرِّ وَالْمُكَارَمَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِوَضٌ فَإِنْ قَارَنَ فَقَدْ فَرَضَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ، وَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْعِوَضِ فَيَخْرُجُ مِنْ مُقْتَضَاهُ فَبَطَلَ وَبَطَلَ مَا قَارَنَهُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُقْرِضِ، وَمَا نَفَاذُهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُقْرِضِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُقْرِضِ، وَالْبَيْعُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِتَنَافِي حُكْمَيْهِمَا.

(فَصْلٌ) :

قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَوْبًا بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ أُدْرِكَتْ السِّلْعَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ أَوْ بَعْدَ مَا قَبَضَهَا، وَقَبْلَ أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ، وَقَدْ غَابَ الْبَائِعُ عَلَى الثَّمَنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْقَضُ، وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ جَمِيعًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَغِيبَ الْبَائِعِ عَلَى الثَّمَنِ يَتِمُّ بِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ بِذَلِكَ السَّلَفُ الَّذِي أَفْسَدَ الْعَقْدَ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَعْنَى الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَقْبِضْ السَّلَفَ، وَكَانَ مُشْتَرِطَ السَّلَفِ هُوَ الْمُبْتَاعُ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِطُهُ الْبَائِعُ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مُشْتَرِطَ السَّلَفِ حُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ لَوْلَا مَا اشْتَرَطْتُهُ مِنْ السَّلَفِ مَا رَضِيت بِذَلِكَ الثَّمَنَ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ السَّلَفَ فَلَهُ الْقِيمَةُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الثَّمَنَ، وَالسَّلَفَ، وَإِنْ اشْتِرَاطَ الْمُبْتَاعُ السَّلَفَ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مَا بَلَغَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ قَائِمَةً، وَلَمْ يَغِبْ الْمُقْتَرِضُ عَلَى الْقَرْضِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ مُشْتَرِطَ الْقَرْضِ إنْ تَرَكَهُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ بَعْضَ الْمَدَنِيِّينَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَرَكَ الْقَرْضَ قَالَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ فَسَدَ عَقْدُهُ بِاشْتِرَاطِ السَّلَفِ كَالْبَيْعِ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ بِأَنَّ مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَخَمْرًا وَخِنْزِيرًا فَقَالَ أَنَا أَدَعُ الْخَمْرَ أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِطَ السَّلَفِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ، وَمُشْتَرِطُ الْخَمْرِ غَيْرُ مُخَيَّرٍ يُوَازِنُ مَسْأَلَةَ السَّلَفِ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك الثَّوْبَ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى إنْ شِئْتَ أَنْ تَزِيدَنِي زِقَّ خَمْرٍ زِدْتنِي، وَإِنْ شِئْت تَرَكْته ثُمَّ تَرَكَ زِقَّ خَمْرٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ أَخَذَهُ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَاَلَّذِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَرْضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِ الْمُقْتَرِضِ، وَالْمَبِيعُ لَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى اخْتِيَارِهِ بَلْ يَلْزَمُ مُشْتَرِيهِ قَبْضَهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ رَأَى قَوْلَهُ، وَلَمْ يَفْهَمْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>