للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَيْعُ الْخِيَارِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ، وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا بَيْعَيْنِ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» )

ــ

[المنتقى]

وَنَوْعِهَا وَثَمَنِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ الثَّمَنِ مَا يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ مِنْ الصِّفَاتِ فِي السَّلَمِ فَإِنْ وَافَقَ الْمَتَاعُ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ أَنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَاتِ كُلُّ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهَا وَتَتَفَاوَتُ الْأَثْمَانُ لِأَجْلِهَا، وَتَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِي الْعَيْنِ، وَتَكْثُرُ بِحَسَبِ عَدَمِهَا وَوُجُودِهَا، وَهُوَ نَحْوُ مَا قَدَّمْنَاهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَيَقُولُ اشْتَرُوهُ مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ فَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِ الْمُرَابَحَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ، وَهَذَا تَدْخُلُهُ الْخَدِيعَةُ.

[بَيْعُ الْخِيَارِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَسَاوِمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنَّمَا يُوصَفَانِ بِذَلِكَ حَقِيقَةً حِينَ مُبَاشَرَةِ الْبَيْعِ، وَمُحَاوَلَتِهِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَسُمْ عَلَى سَوْمِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِالْقَوْلِ، وَمَعْنَى تَفَرُّقِهِمَا عَلَى هَذَا كَمَالُ الْبَيْعِ بِإِتْمَامِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ تَفَرُّقَهُمَا قَدْ حَصَلَ بِأَنْ اسْتَبَدَّ الْمُبْتَاعُ بِمَا ابْتَاعَهُ، وَالْبَائِعُ بِثَمَنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّفَرُّقُ بِالِانْحِيَازِ إلَى الْمَعَانِي وَالتَّبَايُنِ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: ٤] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَفَرُّقَهُمْ فِي الْأَدْيَانِ وَمُبَايَنَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَسَاوِمَيْنِ لَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يُكْمِلَا الْبَيْعَ قَالَ بِهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا مَنْ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا التَّبَايُعُ، وَانْقَضَى بَيْنَهُمَا بِإِتْمَامِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَأَنَّهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُوصَفَانِ بِأَنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ، وَإِنَّمَا يُوصَفَانِ بِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِمَانِ، وَمَعْنَى مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِالْأَبْدَانِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِأَنْ يَزُولَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَيُفَارِقُهُ بِذَاتِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَالنِّكَاحِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» يَقْتَضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى تَأْوِيلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ عَلَى صَاحِبِهِ مُدَّةً مُقَرَّرَةٍ يَثْبُتُ مِثْلُهَا فِي الْمَبِيعِ، وَلَا يُقَدَّرُ الْخِيَارُ بِمُدَّةٍ فَيَقْضِي فِيهَا بِالْوَاجِبِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا مِمَّا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ إنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ إلَّا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حُكْمُ الْبُيُوعِ اللُّزُومُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إلَّا الْبَيْعَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِيَارُ فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ عَلَى حَسَبِ مَا شُرِطَ، وَمَعْنَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ أَوْ الرَّدَّ فَيَخْتَارَ فَيَنْقَطِعَ بِذَلِكَ الْخِيَارِ وَيَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>