للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُك فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْت، وَلَكِنْ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْبِضَ مَنْ أَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْحَيَوَانِ مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ وَأْيٍ أَوْ عَادَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى جَمَلًا رُبَاعِيًّا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ» ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَاهُ خَيْرًا مِنْهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْتَسْلِفِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ، وَلَا وَأْيٍ، وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ) .

ــ

[المنتقى]

[مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ]

(ش) : قَوْلُهُ «اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكْرًا» يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ثُبُوتِ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَازَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَمَّا يَسْتَقْرِضُهُ الْمُسْتَقْرِضُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ مِثْلَ مَا اسْتَقْرَضَ، وَوَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنَعَ مِنْهُ فِي السَّلَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ)

وَالْقَرْضُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا، وَغَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَطْلُبَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَدْفَعَهُ مَتَى شَاءَ قَبْلَ الْأَجَلِ إذَا كَانَ عَيْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقْرَضَهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ إلَى الْأَجَلِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ وَجْهُ مَنْفَعَةٍ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقْرَضَهُ عَرْضًا.

١ -

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ «فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ» لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَرِضُ الْبَكْرَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ اقْتَرَضَهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَقَوْلُ أَبِي رَافِعٍ «لَمَّا جَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ» يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا أَنَّ مَا أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَ مِنْهُ الرَّجُلَ كَانَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ ثُمَّ صَارَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْتِيَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَضَهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْهَا كَمَا يَسْتَقْرِضُ وَالِي الْيَتِيمِ عَلَى مَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَمْوَالِ الْمَسَاكِينِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا أَخَذَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَيَكُونُ فَضْلُ الشَّيْءِ صَدَقَةً عَلَيْهِ.

وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ حُلُولِهَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ اسْتَقْرَضَ لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ رَجُلٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَيَقْضِيهِ قَرْضَهُ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَقْبِضُ مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحُلُولِ لَتَعَجَّلَهَا وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُقْرِضَ، وَلَوْ شَاءَ لَعَجَّلَهَا اقْتِرَاضًا لَمَّا احْتَاجَ أَنْ يَقْضِيَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ، وَلَوْ تَعَلَّقَ مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مَا أَبْعَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَكُونُ لَهُ هَذَا الْبَكْرُ الَّذِي قَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ إمَّا بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَصَارَ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْغَارِمِينَ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِمَّنْ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ أَصْحَابُهُ بِهِ فَقَالَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ فَقَالُوا لَا نَجِدُ إلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ قَالَ اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَحَفِظَ أَبُو رَافِعٍ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، وَحَفِظَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشِّرَاءَ.

(ش) : قَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَسْلَفَهُ الدَّرَاهِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>