للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ إذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ إذَا جِئْت أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلْ الْمُقَامَ بِهَا، وَإِذَا جِئْت أَرْضًا يَنْقُصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلْ الْمُقَامَ

ــ

[المنتقى]

[جَامِعُ الْبُيُوعِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ «رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ» يُقَالُ إنَّهُ مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَازِنِيُّ جَدُّ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةٌ فَغَيَّرَتْ لِسَانَهُ، وَغَيَّرَتْ بَعْضَ مَيْزِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ» ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْبَيْعِ وَضَعْفِهِ عَنْ التَّحَرُّزِ فِيهِ.

وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ إذَا تَبَايَعَ النَّاسُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يُخْبِرُ بِسِعْرِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيهِ.

قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَمَنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ أَضَاعَ مَالَهُ كَمَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَقَدْ أَضَاعَ مَالَهُ قَالَ: وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْغَبْنِ فِي الْأَثْمَانِ فَكَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْخِيَارِ كَالْعَيْبِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْحَدِيثِ عَامًّا فِي كُلِّ أَحَدٍ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعْنَى قَوْلِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ لَا خِلَابَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَعْلَامِ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَخْبُرُ الْأَثْمَانَ، وَعَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ لِلنَّاسِ بِهَذَا الْحُكْمِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْفُذُ خِلَابَةُ الْخَالِبِ عَلَى مَغْبُونٍ مُسْتَسْلِمٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنْ جَهَلَةِ الْبَيْعِ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَهُمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيَحْصُلُ عِنْدِي ابْتِيَاعُهُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ فَيَكُونُ قَوْلُ لَا خِلَابَةَ لِمَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الشِّرَاءِ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُرَابَحَةً فَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِيَاعُهُ بِالْخِيَارِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُهُ، وَيَقُولُ مَعَ ذَلِكَ لَا خِلَابَةَ بِمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَتَحَرَّزُ مِنْ اسْتِخْدَاعِهِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ بِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةً» ، وَلَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ لَهُ بِهَذَا، وَحَجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ بِغَيْرِ الْخِيَارِ، وَأَعْلَمَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُ أَنْ يَقُولَ لَا خِلَابَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَعْذَارِ إلَى مَنْ يُبَايِعُهُ لِيَتَوَقَّى خَدِيعَتَهُ أَهْلُ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ لَا لِيَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ خُدِعَ، وَلَكِنْ لِئَلَّا يُقْدِمَ عَلَى خَدِيعَتِهِ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ، وَكَانَ قَلِيلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا خِلَابَةَ فِي صِفَةِ النَّقْدِ، وَفِي وَفَاءِ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ، وَاسْتِيفَائِهِمَا فَمَنْ غَبَنَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ حَالَةُ جَمِيعِ النَّاسِ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ «قُلْ لَا خِلَابَةَ» الْخِلَابَةُ الْخِدَاعُ، وَلَيْسَ مِنْ الْخِدَاعِ أَنْ يَبِيعَ الْبَائِعُ بِالْغَلَاءِ أَوْ يَشْتَرِيَ الْمُشْتَرِي بِرُخْصٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَابَةُ أَنْ يَكْتُمَهُ عَيْبًا فِيهَا، وَيَقُولَ إنَّهَا تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ فِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى بِهَا.

وَقَدْ رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَبَا، وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» ، وَلِذَلِكَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ» لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَدِيعَةِ فِي الْبَيْعِ، وَإِظْهَارُ النَّاجِشِ لِلْمُبْتَاعِ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا، وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>