للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ، ثُمَّ يُقَارِضَهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ) .

ــ

[المنتقى]

يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يَنْتَزِعَهَا مِنْهُ السَّيِّدُ فَإِنَّمَا يَنُوبُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَلُهُ لَهُ، وَهُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعَامِلِينَ يَمْلِكُونَ حِصَّتَهُمْ مِنْ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَسَائِلَ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ بِالْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَالتَّسْلِيمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ فَلَكَ دِينَارٌ فَإِنَّنَا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَالتَّسْلِيمِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الرِّبْحَ بِظُهُورِهِ كَصَاحِبِ الْمَالِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي رِبْحِ مَالِ الْقِرَاضِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ يَمْلِكُ بِظُهُورِهِ اعْتَبَرْنَا فِي الزَّكَاةِ بِحَالِ الْعَامِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى السَّيِّدِ بِالِانْتِزَاعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ صَحَّ مِنْهُ الْمِلْكُ كَالْحَرْثِ.

[مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ الدَّيْنَ بِيَدِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ وَيَدْخُلَهُ مَا قَالَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ لِلتَّأْخِيرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى بِالْجُزْءِ الْيَسِيرِ مِنْ أَجْلِ بَقَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ فَيَفْتَضِحَ بِإِحْضَارِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا رَضِيَ بِمِثْلِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْقِرَاضُ بِالدَّيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُحْضِرُ الْمَالَ، وَالثَّانِي أَنْ يُحْضِرَهُ، فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ.

وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ أَدْخَلَ الْفَسَادَ عَلَى مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ مِنْ تَأْخِيرِهِ بِالدَّيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْقِرَاضُ وَأَنْ يَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ أَحْضَرَ الْمَالَ فَجَعَلَهُ قِرَاضًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الْمَالِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيمَنْ غَصَبَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، ثُمَّ رَدَّهَا فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَا أَقْبِضُهَا وَلَكِنْ أَعْمَلُ بِهَا قِرَاضًا إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ أَحْضَرَ الْمَالَ تَبَرُّعًا فَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ اتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى إحْضَارِ الدَّيْنِ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ، وَلَوْ جَاءَ بِدَيْنِهِ مُتَبَرِّعًا قَاضِيًا لَهُ فَتَرَكَهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا أَقَامَ إحْضَارَهُ مَقَامَ قَبْضِهِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِجَوْدَتِهِ وَوَزْنِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ بِالِانْتِقَادِ وَالْوَزْنِ فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهِ كَاَلَّذِي لَمْ يُحْضِرْهُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ نَزَلَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ، وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَشْهَبُ فِي غَيْرِ الْعُتْبِيَّةِ إنْ نَزَلَ مَضَى وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ قُورِضَ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ غَيْرُ رَأْسِ مَالِهِ مَضْمُونًا كَاَلَّذِي لَمْ يُحْضِرْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَالٌ قَدْ حَضَرَتْ عَيْنُهُ وَعُلِمَتْ بَرَاءَةُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَإِذَا رَدَّهُ إلَيْهِ قِرَاضًا فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ مِنْهُ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>