للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْعَلَانِيَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعْدِيلَ السِّرِّ لَا يَجْتَزِي فِي ذَلِكَ السَّائِلُ إلَّا بِالْخَبَرِ الْفَاشِي الْمُتَكَرِّرِ الْمُتَحَقِّقِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ لِلْمُسْتَخْبِرِ، وَلِذَلِكَ لَا يُعْذَرُ فِيهِ إلَى أَحَدٍ، وَأَمَّا تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ فَلَا يَقْوَى قُوَّةَ مَا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَلِذَلِكَ يُعْذَرُ فِيهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى لِيَسْتَوِيَ فِي تَعْدِيلِهِ السِّرُّ وَالْجَهْرُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي الرَّجُلِ الْمَشْهُورِ الْفَضْلِ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ بِمُطَالَبَتِهِ بِالتَّزْكِيَةِ وَالتَّوَقُّفِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ حَتَّى يُزَكَّى فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ حَالَتُهُ بِالسُّؤَالِ فِي السِّرِّ عَنْ أَمْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْهُ إلَّا الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ اُضْطُرَّ فِي أَمْرِهِ إلَى تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ وَاجْتُزِئَ بِهَا فِي الَّذِي لَمْ تُشْتَهَرْ عَيْنُهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَكَّى فِي السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُزَكَّى]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُزَكَّى) رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا حَتَّى يُعْرَفَ وَجْهُ التَّعْدِيلِ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَةُ الْأَبْلَهِ مِنْ النَّاسِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي التَّعْدِيلِ إلَّا الْمُبَرَّزُ النَّافِذُ الْفَطِنُ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي عَقْلِهِ وَلَا يُسْتَزَلُّ فِي رَأْيِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْرِفَةَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَمَعْرِفَةَ الْجَائِزِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا يَخْفَى وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا آحَادُ النَّاسِ وَأَهْلُ الْمَيْزِ وَالْحِذْقِ مِنْهُمْ، وَأَمَّا دَفْعُ عَقْدٍ إلَى شَاهِدٍ يَشْهَدُ فِيهِ بِمَا يُشْهِدُهُ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَلِكَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يَبْعُدُ مِنْ الْخَطَأِ وَالْمُخَادَعَةِ لِمَنْ لَهُ أَقَلُّ مَعْرِفَةٍ وَأَيْسَرُ جُزْءٍ مِنْ التَّحَرُّزِ.

(فَرْعٌ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَدَّلَانِ غَيْرَ مَعْرُوفَيْنِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُزَكَّيَانِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا جَازَ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَرِيبَ قَدْ يَكُونُ مَجْهُولَ الْحَالِ فِي الْبَلَدِ فَلَا يَعْرِفُ عَدَالَتَهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْحُكْمَ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُعْرَفَ بِهِ، وَأَمَّا الْمُسَاكِنُ بِالْبَلَدِ فَحَالُهُ فِي الْأَغْلَبِ مَعْلُومَةٌ كَحَالِ الْمُزَكَّى لَهُ فَلَا يُقْبَلُ فِي تَزْكِيَتِهِ إلَّا أَهْلُ الْعَدَالَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْعَدَالَةِ وَمَا يَلْزَمُ الْمُزَكَّى مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ] ١

مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْحَاكِمُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَطْلُبُ فِيهِ التَّزْكِيَةَ قَالَ سَحْنُونٌ يُزَكِّيهِ عِنْدَهُ مَنْ يَعْرِفُ بَاطِنَهُ كَمَا يَعْرِفُ ظَاهِرَهُ، مَنْ صَحِبَهُ الصُّحْبَةَ الطَّوِيلَةَ وَعَامَلَهُ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ قَالَ مَالِكٌ كَانَ يُقَالُ لِمَنْ مَدَحَ رَجُلًا أَصَحِبْته فِي سَفَرٍ أَخَالَطْته فِي مَالٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَصْحَبُ الرَّجُلَ شَهْرًا فَلَا يَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا لَا يُزَكِّيهِ بِهَذَا وَهُوَ كَبَعْضِ مَنْ يُجَالِسُك وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِبَارٍ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الشَّاهِدِ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ وَلَا فَسَادٍ إلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ يَحْضُرُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ سَحْنُونٌ يَعْرِفُهُ بِظَاهِرٍ جَمِيلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَادِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَيَطْلُبُ فِيهِ التَّزْكِيَةَ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يُزَكِّيهِ بِذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّزْكِيَةَ تَفْتَقِرُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ الْمُزَكَّى مِنْ حَالِ الشَّاهِدِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَارِفَ بَعْضَ الذَّنْبِ كَالْأَمْرِ الْخَفِيفِ مِنْ الزَّلَّةِ وَالْفَلْتَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ عَدَالَتِهِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا تُذْكَرُ عُيُوبُهُمْ يَكُونُ عَيْبُهُ خَفِيفًا وَالْأَمْرُ كُلُّهُ حَسَنٌ وَلَا يُعْصَمُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ اللَّاعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا مِمَّنْ لَا يُقَارِفُ شَيْئًا مِنْ الْعُيُوبِ مَا قُبِلَتْ لِأَحَدٍ شَهَادَةٌ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَشْهُورُ الْعَيْنِ وَالِاسْمِ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْمُزَكَّى مَعْرُوفُ الْعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>