للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى الْكُوفَةِ أَنْ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا هَلْ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَالَا نَعَمْ)

ــ

[المنتقى]

قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] إلَى {رَحِيمٌ} [النور: ٥] فَاسْتَثْنَى مَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَابَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا تُرْفَعُ عَنْهُ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَقِّبٌ لِجَمِيعِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ فَيُعْرَفُ صَلَاحُ حَالِهِ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ حَالِ الْفِسْقِ وَالْتِزَامِ أَحْوَالِ الْعَدَالَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ فَالتَّزَيُّدُ فِيهِ حَتَّى يُعْرَفَ زِيَادَةُ صَلَاحِ حَالِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ فَمَعْرِفَةُ ظُهُورِ التَّزَيُّدِ تَطُولُ وَلَيْسَ لِمَنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالسُّوءِ؛ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْخَيْرِ لَا يَتَبَيَّنُ مَزِيدُهُ فِيهِ إلَّا بِالتَّزْدَادِ فِيهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ كَانَ هَاهُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ ازْدَادَ خَيْرًا وَصَلَاحًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَوْبَتِهِ وَلَا مُؤَثِّرًا فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ رُجُوعُهُ عَنْ قَذْفِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِصَلَاحِ حَالِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ وَلَا يَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ تُبْ، وَلَوْ قَالَ تُبْت لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَا أَتُوبُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ تُبْتُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يَنْقُلُهُ عَنْ حَالَةِ الْفِسْقِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَوْبَتُهُ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ وَبَلَغَنِي عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ نَحْوُهُ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ تَوْبَةٌ مِنْ ذَنْبٍ فَكَانَتْ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا كَانَتْ بِالْأَقْوَالِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْهَا بِالْقَوْلِ وَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ كَالرِّدَّةِ لَمَّا كَانَتْ قَوْلًا كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْهَا بِتَكْذِيبِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْقَذْفِ.

وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ أَوْ زِنًى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِهِ وَصْمَةٌ أَوْ تَوَرُّطٌ فِي أَمْرٍ حَرَصَ أَنْ يُلْحِقَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ لِيُسَاوُوهُ وَيُنْفَى عَنْهُ مَعَرَّةُ ذَلِكَ فَيَهْتَمُّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى غَيْرِهِ بِمَا وَافَقَهُ لِيُسَاوِيَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَنَا بِعَدَالَتِهِ يَنْفِي مِثْلَ هَذِهِ التُّهْمَةِ عَنْهُ فَإِذَا قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ وَجَبَ أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَتَهُ فِي الْقَذْفِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بِهِمَا فِيمَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعِيَ وَقَضَى لَهُ بِهِ وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْحِجَازِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَتَهُ وَحْدَهُ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ فَالْجَوَابُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ كَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ.

وَهَذَا إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ اخْتَصَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَصَّ فِي أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَاتِ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يُشِيرُونَ إلَيْهِ لَمْ يَشْهَدْ فِيهِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ لِلنَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>