للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ لَهُمْ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَيَأْبَى وَرَثَتُهُ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى حُقُوقِهِمْ مَعَ شَاهِدِهِمْ قَالَ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ وَيَأْخُذُونَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلُ فَتَرَكُوهَا إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ لِصَاحِبِنَا فَضْلًا وَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا الْأَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا مَا بَقِيَ بَعْدَ دَيْنِهِ)

ــ

[المنتقى]

الْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى لِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَأَبْيَنُ لِوَجْهِ تَعَلُّقِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا هُوَ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْقَضَاءُ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُتَوَفَّى إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ، وَلَهُ دَيْنٌ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَ الشَّاهِدِ، وَيَبْدَأُ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَإِنْ نَكَلَ الْوَرَثَةُ حَلَفَ الْغُرَمَاءُ، وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَبْدَؤُنَ بِالْيَمِينِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا أَوَّلًا فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبِضُوا دَيْنَهُمْ كَانَ لِلْوَرَثَةِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَوَّلًا إذَا لَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ، فَإِنْ قَامُوا وَثَبَتَتْ حُقُوقُهُمْ، وَطَلَبُوا أَنْ يَحْلِفُوا فَهُمْ الْمُبْدِئُونَ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِتَرِكَتِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ أَوْلَى بِالتَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَدْفَعُوا إلَى الْغُرَمَاءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَخْتَصُّونَ بِالتَّرِكَةِ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ حَيًّا لَمَا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا فَكَذَلِكَ مَعَ وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ مَا أَرَادُوا التَّرِكَةَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَلَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الدَّيْنِ مُبْدَئِينَ قَبْلَ الْوَرَثَةِ فِي الْأَخْذِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حُكِمَ لَهُمْ بِصِحَّةِ دَيْنِهِمْ.

(فَرْعٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ فِي تَبْدِئَةِ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِالْأَيْمَانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ مُبْدِئُونَ بِالْأَيْمَانِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ حَلَفَ الْغُرَمَاءُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ وَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ هَذَا، وَخِلَافُ قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَهُوَ أَشْبَهَ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ إذَا قَامَ لِلْغُرَمَاءِ شَاهِدٌ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَحْلِفُونَ مَعَهُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ غُرَمَاؤُهُ وَاسْتَحَقُّوا قَدْرَ دَيْنِهِمْ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ لَمْ يَأْخُذْهُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِيَمِينٍ فَدَلَّ قَوْلُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا قَامُوا بِالشَّاهِدِ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَامُوا بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ وَاسْتِحْلَافِهِمْ أَنَّهُمْ قَبَضُوا دَيْنَهُمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُمْ الْقِيَامُ بِالشَّاهِدِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْوَرَثَةُ مُبْدَءُونَ بِالْأَيْمَانِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَلَّ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ لَمْ يَأْخُذْهُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِيَمِينٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْضَلْ شَيْءٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ.

(فَرْعٌ) : وَإِذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنْ الْيَمِينِ أَوَّلًا فَحَلَفَ الْغُرَمَاءُ، وَبَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا، وَيَأْخُذُوهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مُعَاوَدَةُ الْيَمِينِ؛ لِنُكُولِهِمْ عَنْهَا أَوَّلًا إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ فَضْلًا عَنْ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَنَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَيَحْلِفُونَ، وَيَأْخُذُونَ الْفَضْلَ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ نُكُولَهُمْ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ نُكُولًا عَنْ الْيَمِينِ وَتَسْلِيمِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا كَانَ امْتِنَاعًا مِنْ يَمِينٍ يَصِيرُ مَا اسْتَحَقَّ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ نُكُولًا لَهُ حُكْمُ النُّكُولِ لَمَا انْتَقَلَتْ الْيَمِينُ إلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْتَقِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يَنُوبُ فِيهَا الْوَرَثَةُ عَنْ الْغُرَمَاءِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْغُرَمَاءُ أَيْمَانَ الْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا مَا يَحْلِفُونَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلُوا حِينَئِذٍ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>