للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِي الدَّعْوَى (ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنِ أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا نَظَرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَعْوَى نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَخَذَ حَقَّهُ)

ــ

[المنتقى]

يُسْتَوْفَى فِيهَا الْإِبْرَاءُ، وَإِثْبَاتُ الدَّيْنِ كَيَمِينِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ يَمِينَ الْغَرِيمِ عَلَى إبْرَاءِ الْمَيِّتِ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ هَذَا رَجْمًا بِالْغَيْبِ، وَإِنَّمَا حَلِفٌ بِخَبَرِ مُخْبِرٍ كَحَلِفِهِ عَلَى إثْبَاتِ دَيْنٍ لَهُ.

[الْقَضَاءُ فِي الدَّعْوَى وَفِيهِ أَبْوَاب]

(ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ حَقًّا إنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ حُكْمًا إلَّا لِوَجْهِ ضَرُورَةٍ وَاسْتِحْلَافُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ تَلْحَقُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِالْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَرُورَةٌ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ، وَلِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي الشَّرْعِ، وَبِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْقِتَالِ لَمَّا كَانَ يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ أَبْوَابٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الدَّعَاوَى الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الْخُلْطَةُ وَتَمْيِيزُهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالثَّانِي فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْخُلْطَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالثَّالِثُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْخُلْطَةُ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُلْطَةُ] ١

ُ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُلْطَةُ هُوَ الْمُدَايَنَةُ وَادِّعَاءُ دَيْنٍ مِنْ مُعَاوَضَةٍ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ كَفَالَةٌ بِحَقٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَيَلْحَقُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَمَنْ تَكَفَّلَ لَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ أَوْصَى أَنَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَقَالَ: إنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ إلَى الصِّدْقِ فَيُوجِبُ مِنْ ذَلِكَ مَا تُوجِبُهُ الْمُخَالَطَةُ، وَمَا قَالَهُ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ لِقَوْلِ الْمُدَّعِي عِنْدَ مَوْتِهِ تَأْثِيرًا فِي تَحْقِيقِ الدَّعَاوَى الْمُوجِبَةِ لِلْأَيْمَانِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي قَوْلِ الْمُدَّعِي دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ ادَّعَى ثَوْبًا بِيَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ لَهُ ثَوْبٌ أَوْ عَرَضٌ يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لَتَعَذَّرَ حِفْظُ الشُّهُودِ لَهُ وَضَبْطُهُمْ لِذَلِكَ مَعَ كَثْرَتِهِ، وَلَزِمَهُمْ مِنْ مُرَاعَاتِهِ مَا يَشُقُّ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الْحُقُوقِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ فِي مِثْلِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ خُلْطَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالصُّنَّاعُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ فِي صِنَاعَتِهِمْ دُونَ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّاسِ، وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تُجَّارُ السُّوقِ فَإِنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلشِّرَاءِ مِنْ النَّاسِ وَالْبَيْعِ مِنْهُمْ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الصُّنَّاعَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَمَلِ وَالْمَعْمُولِ خَاصَّةً دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ مُطَالَبَةٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ يَبِيعُ مَتَاعًا فَيَقْتَضِي الثَّمَنَ هُوَ وَسَيِّدُهُ فَيَدَّعِي الْمُتَبَايِعُونَ قَضَاءَ السَّيِّدِ بَعْضَ الثَّمَنِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ أَنْكَرَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُخَالَطَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>