للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي التَّأْمِينِ خَلْفَ الْإِمَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ آمِينَ» ) .

ــ

[المنتقى]

فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَالُ ائْتِمَامٍ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ مَعَهَا الْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَأْمُومِ أَصْلُهُ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا.

(فَصْلٌ) :

فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يَسْكُتُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ سَكَتَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ فِي سَكْتَتِهِ أُمَّ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْلَى مِنْ تَفْرِيغِهِ لِلْوَسْوَاسِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ الْإِمَامُ قِرَاءَةً يَنْصِتُ لَهَا وَيَشْتَغِلُ بِتَأَمُّلِهَا وَتَدَبُّرِهَا.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قَرَأَ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَ جَهْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا أَنَّهَا قِرَاءَةُ قُرْآنٍ فَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ أَصْلُ ذَلِكَ حَالُ الْإِسْرَارِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَصِفَةُ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ الْقَارِئُ نَفْسَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُسْمِعُ نَفْسَهَا وَلَا تُسْمِعُ غَيْرَهَا فِي قِرَاءَةٍ وَلَا تَلْبِيَةٍ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِإِمَامِ فَتُسْمِعَ غَيْرَهَا رَوَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ هَلْ هُمَا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ هَيْئَاتِهَا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مِنْ الْهَيْئَاتِ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَمَنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ كَقَوْلِهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] .

وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا يُعِيدُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمِنْهَا مَا يُسَرُّ فِيهَا فَاَلَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ الصُّبْحُ وَالْجُمُعَةُ وَالرَّكْعَتَانِ الْأُولَتَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَمِنْ غَيْرِ الْفَرَائِضِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْوَتْرِ إذَا أَمَّ فِيهَا فَأَمَّا النَّاسُ إذَا أَوْتَرُوا فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ يُسِرُّونَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْهَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا مَا يُسَرُّ فِيهِ مِنْ الْفَرَائِضِ فَصَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَمِنْ غَيْرِ الْفَرَائِضِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ الَّتِي لَا تَتَقَدَّرُ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا جَهَرَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُسِرَّ فِيهَا أَسَرَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْجَهْرُ فِي اللَّيْلِ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَاعَدُونَ بِالْمَدِينَةِ لِقِيَامِ الْقُرَّاءِ بِاللَّيْلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُسْتَحَبُّ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ.

[مَا جَاءَ فِي التَّأْمِينِ خَلْفَ الْإِمَامِ]

(ش) : قَوْلُهُ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ بَلَغَ مَوْضِعَ التَّأْمِينَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ إذَا دَعَا قَالُوا وَقَدْ يُسَمَّى الدَّاعِي مُؤَمِّنًا كَمَا يُسَمَّى الْمُؤَمِّنُ دَاعِيًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٩] وَإِنَّمَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَاعِيًا وَالْآخَرُ مُؤَمِّنًا وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَعْنَى تَأْمِينِ الْإِمَامِ قَوْلُ آمِينَ كَمَا أَنَّ مَعْنَى أَمِّنُوا قُولُوا آمِينَ إلَّا أَنْ يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ بِدَلِيلٍ إنْ وُجِدَ إلَيْهِ وَجْهٌ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لِلْمُؤَمِّنِ دَاعٍ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ لِلدَّاعِي مُؤَمِّنٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالسَّمَاعِ مَعَ أَنَّ تَأْوِيلَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>