للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمَعَةَ: احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ»

ــ

[المنتقى]

[الْقَضَاءُ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ]

(ش) : قَوْلُهَا: إنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْك عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:.

أَحَدُهَا: الِاسْتِبْضَاعُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يُعْجِبُهُ نَجَابَةُ الرَّجُلِ وَنُبْلُهُ وَتَقَدُّمُهُ فَيَأْمُرُ مَنْ تَكُونُ لَهُ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ أَنْ تُبِيحَ نَفْسَهَا لَهُ فَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ رَجَعَ هُوَ إلَى وَطْئِهَا حِرْصًا عَلَى نَجَابَةِ الْوَلَدِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَا زَوْجَ لَهَا يَغْشَاهَا الْجَمَاعَةُ مِنْ الرِّجَالِ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ دَعَتْهُمْ وَقَالَتْ لِأَحَدِهِمْ هَذَا مِنْك فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ.

وَالثَّالِثُ: الْبَغَايَا كُنَّ يَجْعَلْنَ الرَّايَاتِ عَلَى مَوَاضِعِهِنَّ فَمَنْ رَأَى تِلْكَ الرَّايَةَ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْضِعُ بَغْيٍ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلُهَا قَالَتْ لِبَعْضِهِمْ: هُوَ مِنْك، فَيَلْحَقُ بِهِ.

وَالرَّابِعُ: النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَأَبْطَلَ الْإِسْلَامُ الثَّلَاثَةَ الْأَنْوَاعِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَثْبَتَ النِّكَاحَ فَلَعَلَّ مَا قَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: ابْنُ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي إنَّمَا أَرَادَ اسْتِلْحَاقَهُ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ فَلَمَّا أَرَادَ عُتْبَةُ اسْتِلْحَاقَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يُقِمْ لَهُ بَيِّنَةً مِنْ إقْرَارِهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يَكُونَ عَرَفَ لَهُ مِلْكَ أَمَةٍ وَلَا نِكَاحَهَا أَوْ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لَهُ مِلْكَ أَمَةٍ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَلْحَقُ ذَلِكَ بِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَا يَلْحَقُ بِهِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ لَهُ عَلَى أُمِّهِ نِكَاحٌ أَوْ مِلْكٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّل أَنَّ الْأَسْبَابَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ وَأَكْثَرُهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ الْأَبِ بِالْوَطْءِ أَوْ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ مَانِعٌ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِلْحَاقُ إذَا كَانَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الدَّعَاوَى لَكَثُرَ تَعَرُّضُ الدَّعَاوَى فِي ذَلِكَ وَفَسَدَتْ الْأَنْسَابُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ)

وَأَمَّا إنْ مَلَكَ أُمَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَاهُمْ مَعَ بَقَائِهِمْ فِي مِلْكِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ يَلْحَقُونَ بِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بِيَدِهِ أَمَةٌ لَهَا وَلَدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدُ لَحِقَ بِهِ وَتَكُونُ الْأَمَةُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ مَوْجُودٌ مَعَ عَدَمِ مُسْتَلْحِقِهِ فَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَمْنَعْ الدَّيْنُ الِاسْتِلْحَاقَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ مَعَ عَدَمِ الدَّيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ مَعَ الدَّيْنِ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ ظُهُورِ الْحَمْلِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ بَاعَهُ مَعَ أُمِّهِ ثُمَّ ادَّعَى وَهُوَ مُعْدَمٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ وَفِيهَا وَيُرَدُّ إلَيْهِ وَيُتْبَعُ بِالثَّمَنِ دَيْنًا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أُمِّهِ وَيُرَدُّ إلَيْهِ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ تَصْدُقُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي أُمِّهِ كَحَالَةِ السِّرِّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَهُ بِالثَّمَنِ تُهْمَةٌ فِي إرَادَتِهِ اسْتِرْجَاعَ الْأَمَةِ دُونَ ثَمَنٍ وَاسْتِلْحَاقُهُ الْوَلَدَ لَا يَقْتَضِي ارْتِجَاعَهُ الْأُمَّ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَسْتَلْحِقُهُ الْمُلَاعِنُ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ارْتِجَاعَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْوَلَدِ عَرَا مِنْ التُّهْمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>