للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (الْقَضَاءُ فِيمَا يُعْطَى الْعُمَّالُ) (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى الْغَسَّالِ ثَوْبًا يَصْبُغُهُ فَصَبَغَهُ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: لَمْ آمُرْك بِهَذَا الصَّبْغِ، وَقَالَ الْغَسَّالُ: بَلْ أَنْتَ أَمَرْتنِي بِذَلِكَ فَإِنَّ الْغَسَّالَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ وَالْخَيَّاطُ مِثْلُ ذَلِكَ وَالصَّائِغُ مِثْلُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَمْرٍ لَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وَلْيَحْلِفْ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَإِنْ رَدَّهَا وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الصَّبَّاغُ)

ــ

[المنتقى]

أَنَّ هَذَا حُكْمٌ وَلَا يَثْبُتُ حَيْثُ يَكُونُ حَاكِمٌ إلَّا بِحُكْمِهِ، وَأَمَّا مَوْضِعٌ لَا حَاكِمَ فِيهِ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ مَقَامَ الْحَاكِمِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَضْطَرُّ النَّاسُ إلَيْهَا، وَهَذَا حُكْمُ مَنْ يَكُونُ التَّقَدُّمُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ فَهُوَ الْمَالِكُ وَالنَّاظِرُ لَهُ مِنْ أَبٍ، أَوْ وَصِيٍّ دُونَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُ كَلْبِ الصَّيْدِ فِي دَارِهِ رَوَى مَعْنَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لَهُ اتِّخَاذُهُ فِي دَارِهِ لِحِرَاسَةِ النَّاسِ وَلَا مِمَّنْ يَسْرِقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَةِ اتِّخَاذِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ عَقْرُ السَّارِقِ وَلَا قَتْلُهُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ طَرْدُهُ وَعَقْرُ السِّبَاعِ الْمُؤْذِيَةِ فِي الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ مُبَاحٌ وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ لِلْمَأْكَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ إلَّا قَوْلُهُ ضَمِنَ وَلَمْ يَذْكُرْ إنْ كَانَ يُثْبِتُ ذَلِكَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا، وَأَمَّا إذَا صَالَ الْجَمَلُ فَقَتَلَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ، أَوْ الْجَمَلِ الصَّئُولِ وَالثَّوْرِ إنْ أَصَابُوا رَجُلًا بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَى أَرْبَابِهَا وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ أَنَّ وَرَثَتَهُ يَحْلِفُونَ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَةَ صَاحِبِهِمْ، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَثْبُتُ مِنْ هَذَا إلَّا مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ وَأَنْكَرَ رِوَايَةَ عِيسَى فِي ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا، وَقَالَ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ لَا تَثْبُتُ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا غَيْرَ الْمَالِ بِوَجْهٍ فَثَبَتَتْ بِشَهَادَةِ يَمِينٍ كَالْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَصْبَغَ أَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ فِي الْجَسَدِ عَلَى حُرٍّ فَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ كَمَا لَوْ جَنَاهَا إنْسَانٌ.

[الْقَضَاءُ فِيمَا يُعْطَى الْعُمَّالُ]

(ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ الصَّانِعَ إذَا دُفِعَ إلَيْهِ ثَوْبٌ فَصَبَغَهُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَسَّالِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ قَدْ يُنْكِرُ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَمْ آمُرْك بِصَبْغِهِ فَإِذَا قَالَ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ فَإِنَّهُ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ لَهُ أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا الصَّبْغِ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَمَرْتُك بِهَذَا الصَّبْغِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَ أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا الصَّبْغِ وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَمَلِ، أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَقَدْ قَالَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُفْتِ بِالْعَمَلِ، وَقَدْ تَحَالَفَا فِي صِفَةِ مَا وَقَعَ التَّبَايُعُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ تَحَالَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصُّنَّاعِ فِيمَا يَجُوزُهُ الصَّانِعُ بِالْفَوْتِ وَلِمَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِوَجْهِ حَقٍّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّانِعَ حَائِزٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ مَا لَهُ فِيهِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُدَّعٍ لِأَخْذِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الصَّبَّاغُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّبَّاغِ.

وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَائِكِ يَقُولُ أَمَرْتنِي أَنْ أَنْسِجَ لَك سَبْعًا فِي ثَلَاثٍ، وَقَالَ صَاحِبُهُ بَلْ سَبْعًا فِي أَرْبَعٍ أَنَّ الْحَائِكَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ الْبَنَّاءُ أَمَرْتنِي أَنْ أَبْنِي بَيْتًا

<<  <  ج: ص:  >  >>