للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ (ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: إذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ، أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَأَحْدَثَ فِيهِ الَّذِي ابْتَاعَهُ حَدَثًا مِنْ تَقْطِيعٍ يُنْقِصُ ثَمَنَ الثَّوْبِ ثُمَّ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِالْعَيْبِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ غُرْمٌ فِي تَقْطِيعِهِ إيَّاهُ) .

ــ

[المنتقى]

عَنْ ذِمَّةِ الْغَرِيمِ بِالْحَمَالَةِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْحَمِيلُ وَثِيقَةً لِحَقِّهِ كَالرَّهْنِ فَفَلَسُ الْحَمِيلِ بِمَنْزِلَةِ ضَيَاعِ الرَّهْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَوْتَ الْحَمِيلِ مَعَ كَوْنِهِ عَيْبًا لَا يُوجِبُ رُجُوعَ الطَّالِبِ عَلَى الْغَرِيمِ بَلْ لَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْ مَالِهِ دَيْنًا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُوقِفُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَحُكْمُ الْحَمَالَةِ بَاقٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ لَفْظُ الرُّجُوعِ يَقْتَضِي ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ تَعَلَّقَ بِمُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ أَوَّلًا وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِمُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ إنْ شَاءَ فَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَمِنْهَا إذَا بَاعَ مِنْ الْغَرِيمِ سِلْعَةً أَوْ أَسَلَفَهُ مَالًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ مِنْ الْغَرِيمِ وَأَخَذَ مِنْهُ حَمِيلًا وَشَرَطَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فَظَاهِرُ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا إنْ مَاتَ الْحَمِيلُ، أَوْ أَفْلَسَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْغَرِيمَ كَانَ مُفْلِسًا فَآثَرَ مُطَالَبَةَ الْحَمِيلِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ جِهَتِهِ رَجَعَ إلَى اتِّبَاعِ الْغَرِيمِ فِي ذِمَّتِهِ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ مَعْنَاهُ يَبْقَى حَقُّهُ ثَابِتًا عَلَى غَرِيمِهِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْحَمِيلِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ الَّتِي تُبْطِلُ حَقَّهُ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ أَرَادَهُ.

[الْقَضَاءُ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ بِالثَّوْبِ حَدَثًا مِنْ تَقْطِيعٍ، أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ دَلَّسَ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَوْ لَمْ يُدَلِّسْ بِهِ فَإِنْ كَانَ دَلَّسَ بِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا أَحْدَثَهُ فِيهِ الْمُبْتَاعُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ وَمِمَّا يُشْتَرَى غَالِبًا لَهُ، أَوْ يَحْدُثُ فِيهِ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَقْطِيعِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مِثْلِهِ مِنْ الثِّيَابِ فَمَا أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ مِنْ هَذَا مِمَّا يَنْقُصُ الْمَبِيعَ فَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَرُدُّ مَا نَقَصَ ذَلِكَ الْمَبِيعَ، وَلَوْ قَطَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِ ذَلِكَ الثَّوْبِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ وَشْيٍ رَفِيعٍ فَيَقْطَعُهُ جَوَارِبَ، أَوْ رِقَاعًا فَهَذَا لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُدَلِّسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِذَلِكَ مِنْ الْفِعْلِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَبِيعِ التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ فَإِذَا أَسْلَمَهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مَعَ مَا دَلَّسَ لَهُ بِهِ مِنْ الْعَيْبِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يُنْقِصُ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَلِذَلِكَ يَلْزَمُ مَنْ فَعَلَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُبْتَاعُ بِالتَّدْلِيسِ، أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْمَبِيعِ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ وَأَخْذُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَالرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا نَقَصَهُ غَيْرَ صِنَاعَةٍ كَالْقَطْعِ فَإِنْ كَانَ صِنَاعَةً كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ صِنَاعَتِهِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَصْبَغَ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَيْبَ الْمُفْسِدَ لَمَّا حَدَثَ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ كَالصَّنْعَةِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّدْلِيس يَسْقُطُ عَنْهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْمَبِيعِ دُونَ غُرْمٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَالرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ إذَا لَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>