للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعَطِيَّةِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَعْطَى أَحَدًا عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا فَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلَّذِي أُعْطِيهَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الَّذِي أُعْطِيَهَا قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي إمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا قَامَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا أَخَذَهَا) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً ثُمَّ نَكَلَ الَّذِي أَعْطَاهَا فَجَاءَ الَّذِي أُعْطِيَهَا بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ عَرْضًا كَانَ ذَلِكَ، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا، أَوْ حَيَوَانًا أُحْلِفَ الَّذِي أَعْطَى مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ فَإِنْ أَبَى الَّذِي أَعْطَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الْمُعْطِي، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أَيْضًا أَدَّى إلَى الْمُعْطِي مَا ادَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ) .

ــ

[المنتقى]

الْعَطِيَّةِ وَلَا يَحِلُّ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ عَطَاءً لَمْ يَبْتِلْهُ لَهُ ثُمَّ يُدْرِكَ الْمَوْتُ الْأَبَ فَيُعَرِّيَهُ عَنْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ وَيَقُولَ قَدْ كُنْت وَهَبْته لِابْنِي وَهُوَ لَمْ يَبْتِلْ تِلْكَ الْهِبَةَ ثُمَّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ نُحِلَ نِحْلَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِّلَهَا حَتَّى تَكُونَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلٌ وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ الْمَنْحُولُ كَبِيرًا يَحُوزُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لِصَغِيرٍ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ قَدْ يَحُوزُ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ يَحُوزُ لِلْكَبِيرِ غَيْرُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب أَنْ يَحُوزَ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَحُوزَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْكِيلٍ، أَوْ وَجْهٍ سَائِغٍ فِي الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعَطِيَّةِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ بِهَا الثَّوَابَ وَلَا الْعِوَضَ، وَإِنَّمَا يَبْتَلُّهَا لِلْمُعْطَى دُونَ عِوَضٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا بِالْإِشْهَادِ تَثْبُتُ لِلْمُعْطِي فَلَيْسَ لِلْمُعْطِي الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ لُزُومُهُ إلَى قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا يُقْضَى بِهِ وَضَرْبٌ يُقْضَى بِهِ فَأَمَّا مَا لَا يُقْضَى بِهِ فَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ حَبْسٍ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ عَلَى مُعَيَّنِينَ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْبِرَّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ اللَّجَاجَ وَتَحْقِيقُ مَا نَازَعَ فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ جَارِيَةٍ أَتَسَرَّرَهَا عَلَيْك فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك، وَإِنْ وَطِئْت جَارِيَتِي هَذِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك فَتَسَرَّرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا وَحَكَى مُحَمَّدُ عَنْ أَشْهَبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعَيَّنٍ بَلْ خُصُومَتُهُ لَا لِلْمَسَاكِينِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهَا كَالْأَحْبَاسِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ الْمُطَالَبَةَ بِهَا فَيُقْضَى لَهُ.

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً ثُمَّ نَكَلَ الْمُعْطِي يُرِيدُ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَشَهِدَ لِلْمُعْطَى شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْطِيَ أَعْطَاهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ عَرْضٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ مِثْلِ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَتَعَيَّنُ بِعَقْدٍ فَكَانَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُعْطِي فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فِي ذِمَّتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلرَّجُلِ: اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانٍ فِي مَالِي مِائَةَ دِينَارٍ صَدَقَتُهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَأَمَّا الرَّجُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>