للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَقَوْلِهِ حَبْسًا فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ حَبْسًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ قَالَ حَبَسْت هَذِهِ الدَّارَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُطَرِّفٌ الْحُكْمَ إلَى مُعَيَّنٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْحَبْسُ وَيَلْزَمُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وأَشْهَبَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ دَارِي هَذِهِ عُمْرَى فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَذْكُرَ الْعُمْرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَفْظَ التَّحْبِيسِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَلَفْظُ الْعُمْرَى لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْبَةِ فَأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا لَفْظُ التَّوْقِيفِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ لَفْظَ التَّوْقِيفِ صَرِيحٌ فِي تَأْبِيدِ الْحَبْسِ فَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا أَبَدًا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْعُرْفِ التَّبَتُّلُ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ وَتَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ عَلَى الدَّوَامِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَمْلِيكَ الرُّقْبَةِ فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَ كَالْهِبَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَى الْحَبْسِ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الَّذِي يَقُولُ مِلْكِي هَذَا صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَقُلْ حَبْسًا أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِآخِرِ الْعَقِبِ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَرَوْنَهُ حَبْسًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ ذَلِكَ بِمُعَيَّنٍ وَعَقِبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهَا الْأَوَّلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ عَقِبَهُ مِنْ مِلْكِهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ آخِرَ الْعَقِبِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ مَا عَاشُوا أَنَّهَا تَرْجِعُ إذَا انْقَرَضُوا مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ.

وَرَوَى فِي الْمَوَّازِيَّة أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: إنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعَقِبِ إلَّا بِنْتٌ أَنَّ لَهَا بَيْعَ الدَّارِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ.

وَقَدْ رَوَى صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ نَعَمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي اسْتَفَدْت مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَكِنْ تُنْفِقُ ثَمَرَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ» فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُؤَكِّلُ صِدِّيقَهُ فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الصَّدَقَةِ فِيمَا مَعْنَاهُ التَّحْبِيسُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الصَّدَقَةِ بِجَمَاعَةٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ بَعْضِ بَنِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الصَّدَقَةُ بِالْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةِ لَا يَصِحُّ فِيهَا نَقْلُهَا بِالصَّدَقَةِ عَنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ، وَهَذَا مَعْنَى الْحَبْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إذَا عَرَّا لَفْظَ الصَّدَقَةِ عَنْ لَفْظِ التَّحْبِيسِ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي تَبْتِيلَ الصَّدَقَةِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ صِفَةِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِمْ، أَوْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ مَا يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا عَرَّا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهَا لَا تَكُونُ بِمَعْنَى التَّحْبِيسِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ ظَاهِرُهَا تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَنَافِعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَبْسَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ تَبْقَى الرَّقَبَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: مِثْلُ هَذَا، وَالثَّانِي: يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَالثَّالِثُ: يَنْتَقِلُ إلَى الْبَارِي تَعَالَى وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ الرَّقَبَةِ عَنْ مِلْكِ الْبَاذِلِ بِالْعَارِيَّةِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ فَلَا يَجُوزُ الْمِلْكُ عَنْ رُقْبَتِهِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ عَلَى مَنَافِعِهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ مِنْهُ وَمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ عَلَيْهِ وَمَا يَصِحُّ تَحْبِيسُهُ] ١

<<  <  ج: ص:  >  >>